الندافة بين الحفاظ على المهنة والثبات أمام المستورد

ريبورتاج 2022/03/23
...

 أحمد الفرطوسي
 تصوير: رغيب اموري
الندافة هي من المهن العتيقة والتقليدية، والتي تشكل جزءاً من حياة جميع الناس والمرتبطة بتراث بلدنا العزيز، لأنها على تماس كبير بهم من خلال توفير مستلزمات الراحة من مفروشات وأغطية ووسائد وغيرها، لأنه وبمرور الزمن أصبحت هذه المهنة من المهن التي تعاني الكثير من المشكلات، منها غياب الدعم الحكومي وكثرة المستورد، ما أثر بشكل كبير في عملية استمرارها وصمودها أمام مستلزمات التكنولوجيا الحديثة.
كانت محطتنا الأولى عند النداف أحمد السيد إذ قال لـ(الصباح) «إن الأيادي العراقية ما زالت تطرز وتتفنن بصنع الأفرشة المختلفة، التي تمتاز بجودتها العالية وعمرها الطويل وعملها المتقن، بالرغم من وجود بضاعة أجنبية مستوردة غزَتَ السوق بشكل كبير، ومنها المفروشات وهي على نوعين: 
المفروشات الصينية، وهي رخيصة جداً ولا تتمتع بجودة في العمل، ولا اتقان في الصناعة، والنوعية الثانية هي مفروشات البالة وهي من مناشئ أوروبية مختلفة، استطاعت أن تلبي حاجات الطبقة الفقيرة في
المجتمع». 
مضيفاً «توجد بعض الأسر العراقية التي ما زالت تعتمد على الندافة المحلية، او ما تسمى بـالـ(التسكام) في توفير مستلزمات الأسرة من المفروشات، وخاصة في تجهيز متطلبات الأعراس، وهي أسر
قليلة».
 وأشار إلى أن «قسماً من الأسر تعتمد على البضاعة التركية، وهذا يعود الى المستوى المعيشي
لها».
 
عمر قصير
بينما قال الشاب سعد حسين الذي يقوم بتجهيز أغراض بيت الزوجية من المفروشات «أنا مقبل على الزواج، قمت بعمل جهاز البيت من المفروشات، بواسطة الصناعة المحلية، الندافة، يوجد الكثير من البضائع والمنتجات في السوق من مختلف الماركات والصناعات وهي تتمتع بألوان زاهية وبراقة وجميلة، ولكن ما يعيبها هو عمرها القصير، الذي لا يزيد على سنتين، ونحن من الناس الكسبة الذين ليس لهم القدرة على الشراء باستمرار».
ولفت حسين إلى أن «الندافة المحلية هي من الصناعات الجيدة والتي تمتاز بعمرها الطويل عكس المفروشات المستوردة، وعلى هذا الأساس ألجأ الى الندافة المحلية رغم ارتفاع أسعار التجهيز بشكل ملحوظ».
ويؤكد «لدي الحرية الكبيرة في أن أطلب من النداف كل ما أريد عمله من نقوش وتطريزات واختيار نوعية القماش، إذ توجد مرونة كبيرة في العمل، رغم تأخير التجهيز من حيث الالتزام في المواعيد».
 
عراقيل
بينما قال الحاج سعد الدين نجم الذي يعمل في الندافة منذ وقت طويل إن «مهنة الندافة من المهن الجميلة التي عملت بها منذ أكثر من أربعين عاما، حيث ورثتها من أبي، وهي تعتمد اعتمادا كبيراً على المهارة اليدوية، بعيداً عن أي أدوات أو مكائن فنية او هندسية».
ولفت إلى «أنها تحتاج إلى أدوات بسيطة جداً تتمثل بعصا من الخيزران وميزان تقليدي ومقص وإبرة ومهارة فنية عقلية في قص القماش وتكوين النقشات، وتعدُّ من المهن التي ازدهرت كثيراً في السابق، خاصة في المدة التي كانت الدولة تضع العراقيل أمام أي مستورد وتدعم الصناعات المحلية بمختلف أنواع الدعم المعنوي
 والمادي».
وكشف حسين عن حال المهنة اليوم «أنها تعاني من مشكلات كثيرة، منها أن البضاعة المستورد استطاعت السيطرة على السوق بشكل كامل، فضلاً عن ارتفاع أسعار القطن والقماش والإيجارات وارتفاع أسعار اشتراك الكهرباء، خصوصاً أن محالنا تقع ضمن صنف المناطق التجارية، وهو ما يزيد من مبلغ الفاتورة الشهرية، وحتى الدولة لم تبذل أي جهد في دعم هذه المهنة العريقة بأي شكل من أشكال الدعم المعنوي والمادي، كل هذه الامور استطاعت أن تثقل كاهل أصحاب محال
الندافة».
 
ذاكرة ومناشدة
ودعا الحكومة إلى «دعم هذه المهنة لأنها من الصناعات الوطنية التي تشكل جزءاً من التراث المحلي للمجتمع، إذ إن لكل فرد منا في جميع مراحل حياته فراشا في فصل الصيف والشتاء، وهو جزء من ذاكرة أي إنسان، ومن شأنها أن توفر الكثير من فرص العمل للشباب العراقي وهي جزء من الصناعة الوطنية».
مطالبا بتقديم السلف ذات الفائدة القليلة للندافين، وتقديم المواد الأولية من القطن والقماش والصوف بأسعار مدعومة كحالة من التحفيز، ومنع المستوردة منها أو وضع القيود أمامه، وإقامة المعارض الخاصة لنتاجات الندافين في عموم مناطق العراق بين الحين والآخر، ليتعرف الجمهور على كل ما هو جديد في هذه
المهنة».