صالح الشيخ خلف
خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني حسن روحاني للعراق، تجددت وجهات النظر التي كانت موجودة اصلا بشأن النفوذ الايراني في العراق، خصوصا وان البيان المشترك الذي صدر بعد انتهاء الزيارة اشار الى عدة نقاط مهمة منها مسودة الاتفاقية الامنية بين البلدين واتفاقية الجزائر الموقعة عام
1975 .
وجهات النظر هذه استندت على النظرة المرتبكة للدور الايراني في العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام والتي كانت تختلف مع او تؤيد السلوك الايراني في المنطقة .
ومن الطبيعي جدا اختلاف الاراء استنادا للمصالح المختلفة والمقاربات التي يحملها كل طرف من الاطراف بشأن التحالف مع هذه الدولة او تلك، خصوصا وان العراق يعيش ارهاصات بناء الدولة الحديثة سواء على صعيد تنظيم علاقاته الخارجية او على صعيد الدور الذي يجب ان يلعبه في محيطه العربي والاسلامي والدولي .
طرفان اساسيان كانا يراقبان تفاصيل الزيارة بدقة، الطرف الاميركي الذي يرتبط بعلاقات واتفاقيات مع العراق، والطرف العربي وتحديدا الخليجي الذي كان ولا يزال يتحسس من اي تقارب عراقي ايراني .
فالولايات المتحدة تنظر بالكثير من الريبة لزيارة الرئيس روحاني للعراق الذي دخله بطائرة مدنية اشعلت انوارها وحطت في مطار بغداد لتشهد العاصمة العراقية استقبالين رسميين امتازا بحفاوة بالغة .
الاول في القصر الرئاسي، والثاني في قصر رئيس الوزراء اضافة الى المباحثات التي جرت واللقاءات التي عقدت مع مختلف الفعاليات السياسية والحزبية والشعبية والدينية والتي ناقشت القضايا الملحة والقلقة بين البلدين لترسم صورة عن طبيعة العلاقات المستقبلية التي تربط بغداد بطهران، على خلاف الزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب للعراق في الايام الاخيرة من العام المنصرم الذي هبط في قاعدة الاسد بطائرة اضطرت الى اطفاء انوارها دون ان يلتقي اي مسؤول عراقي .
اما الطرف العربي وتحديدا الخليجي ، فانه نظر للزيارة بانها تعزيز للنفوذ الايراني الذي بدأ بعد العام 2003 ولذلك فانه “منزعج” من نتائج هذه الزيارة كما انه “منزعج” للترحيب الذي استقبل به رئيس ايراني في العراق .
يبقى الجانب الايراني محل النزاع، فانه كان واضحا عندما نقل للمسؤولين العراقيين وبشكل واضح ان طهران لا تريد ان يدفع العراق ضريبة نزاعها مع الولايات المتحدة، كما نقل ايضا انها لا تريد للعراق ان يكون مكانا للمنافسة بينها وبين واشنطن، وان جلّ اهتمامها هو تعزيز الامن والاستقرار وتعزيز الحالة الديمقراطية وبناء العراق المستقل المتعايش مع شعبه وجيرانه.
وما يشاع عن رغبة ايران في استغلال العراق كنافذة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية فانه كلام لا يستحق الرد، كما نقل مصدر ايراني رفيع المستوى .
وفي ظل هذه التطورات ما الذي يمكن للعراق ان يفعله مع حليفه الاميركي ومحيطه العربي وجاره الفارسي؟.
حسنا قال رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي تعليقا على التواجد الاميركي في العراق، بانه ابلغ الجانب الاميركي باولويات العراق ازاء التواجد العسكري الاجنبي، وقال ايضا ان العراق لن يكون منطقة اقتتال ونزاع اقليمي مطلقا، كما انه راى عدم وجود دولتين في العالم تمتلكان علاقات قوية كالعراق وايران.
هذه المواقف وضعت مصلحة العراق اولا، واعطته جرعة من استقلالية القرار، ومساحة من الارادة الوطنية .
اما المحيط العربي، فهناك نظرتان.
الاولى ترى ضرورة قطع اليد الايرانية في العراق، والوقوف امام ما تعتقد بوجود طموحات ايرانية قومية في العراق والمنطقة على حد سواء، وعدم السماح “للتمدد الايراني” الذي يستغل النافذة العراقية ليطل على باقي الدول العربية.
واما الثانية فانها تنظر بامكانية العراق ليكون جسرا للتواصل بين ايران والمحيط العربي لما للعراق من امكانيات جيوسياسية مهمة الامر الذي لن يخدم العراق وايران فحسب وانما يخدم الامن والاستقرار في المنطقة بشكل عام . ان العراق مدعو لتنظيم علاقاته الخارجية على اساس مصالحه ومستقبله وارادته الوطنية، بمعنى ان دول الجوار العراقي وبقية الاسرة الدولية يجب ان تنظم علاقاتها مع العراق على اساس المصالح العراقية، وعلى رؤية العراق لمستقبله ومصالح شعبه، وليس على اساس اجندتها السياسية الخاصة ورؤيتها للأمن الاقليمي وملفاته المعقدة والساخنة . ان العراق مرشح خلال الفترة المقبلة للعب دور مؤثر في العلاقات الاقليمية، وانه يستطيع ان يكون نقطة ارتكاز ليس لتقاطع المصالح وانما لتلاقح هذه المصالح على قاعدة حماية الامن الاقليمي .
وفي مرحلة ما بعد داعش، فان المنطقة بحاجة ماسة لتعزيز الامن الاقليمي والذي يشكل العراق بؤرة هذا الامن من اجل علاقات اقليمية اكثر نضوجا، ومحاولة رسم معالم “نظام امني سياسي اقليمي” يكون العراق محور هذا النظام الذي يستطيع ان يحفظ لجميع دول وشعوب المنطقة مصالحها على اساس رابح رابح .