روسيا تستعين بالصين لتخطي العقوبات

قضايا عربية ودولية 2022/03/27
...

  ترجمة: أنيس الصفار 
 
خِلال السنوات الأخيرة عملت الصين وروسيا لأجل تقليل اعتمادهما معاً على الأنظمة الغربية في مجالات المال والتكنولوجيا والسوق تحدوهما في ذلك رغبة القيادة المتبادلة في البلدين لعزل نفسيهما عن تجبر الاقتصاد الغربي وسطوته. 
هذا الارتياب المشترك بالولايات المتحدة وحلفائها عمق الارتباطات الاقتصادية بين الدولتين وجعل من الصين أكبر شريك تجاري لروسيا بشوط بعيد، واليوم يستطيع الصينيون أن يكونوا حبل الانقاذ للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وهو في عزلته عن طريق ثلم حدة العقوبات الغربية التي فرضت عليه جراء غزوه أوكرانيا.
رغم الادعاء بالحياد بقيت الصين على ميلها إلى جانب الكرملين ومعارضتها للعقوبات وأعلنت بصراحة أنها سوف تستمر في تجارتها مع روسيا كالمعتاد، لكن تبقى هناك أسئلة تحوم حول مدى قدرة الأنظمة الصينية على تخفيف ثقل الضربات التي تسددها العقوبات الغربية والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه بكين في مساعدة شريكها الاقتصادي.
كثير من الأسواق والخدمات والأنظمة التي أوصدت منافذها بوجه روسيا لها بدائل صينية، لكن هذه الخيارات البديلة تبقى قاصرة في معظم الأحيان عند مقارنتها بنظيراتها الغربية، كما أن عليها تخطي معوقات عملية وسياسية قاهرة قبل أن تصلح كبدائل فاعلة للأنظمة العالمية.
كذلك قد تتردد الشركات والمؤسسات الصينية قبل أن تتدخل خشية فقدان إجازة الدخول إلى الأسواق العالمية التي تعتبر من وجهة نظرها مصادر للأعمال أهم كثيراً من روسيا.
يقول المحللون في شركة “غافيكال دراغونومكس” للأبحاث: “من المرجح أن لدى الحكومة الصينية رغبة في مساعدة روسيا، لكنها رغم ذلك لن يمكنها حماية شركاتها من العقوبات المعقدة التي يمكن أن تصيبها جراء خرق العقوبات.”
نستعرض أدناه بعض البدائل الصينية التي قد تلجأ إليها روسيا للتعويض عن الخدمات المالية والتكنولوجيا التي ستحرم منها.
 
في الجانب المالي
بدأت المصارف الروسية بالتحول إلى نظام “يونيون باي” الصيني كبديل لنظامي “فيزا” و”ماستركارد” اللذين علقا عملياتهما هناك. وتقول “يونيون باي”: إن 90 بالمئة من مكائن الصراف الآلي في روسيا تتوافق مع عمل بطاقاتها التي صدرت منها في روسيا نحو 3 ملايين بطاقة حتى العام 2021. وفي الأيام الأخيرة أعلنت بنوك عديدة أنها ستستعمل الخدمة الصينية، كما منح بعضها زبائنه منفذاً فورياً عن طريق بطاقات افتراضية تمكنهم من الوصول إلى مدخراتهم.
نظراً لسعة انتشار “يونيون باي” ويسر التعامل معه عالمياً لن تواجه سوى قلة قليلة من حملة البطاقات الروس صعوبة في سحب أو إيداع الأموال عند تحول مصارفهم إلى نظام الدفع الصيني. بيد أن الزخم المفاجئ من الزبائن الجدد سيشكل تحدياً لـ”يونيون باي” التي تبقى من حيث الأساس مزود خدمة للزبائن الصينيين.
الأمر الأشد إلحاحاً بالنسبة لبعض البنوك الروسية هو عزلتها عن نظام تبادل المعلومات المالية المعروف اختصاراً باسم “سوفت”. البديل الصيني لهذا النظام هو نظام عابر للحدود يطلق عليه اختصاراً اسم “كِبس”، وقد أطلق في العام 2015 لجعله منصة انطلاق أساسية لمساعي بكين الهادفة لتدويل عملتها اليوان وتحدي هيمنة الدولار على الأسواق العالمية.
يمتلك نظام المقاصة “كِبس”، الذي يستخدم اليوان كعملة تسعير، قدرة التواصل مع النسخة الروسية أو توسيع شبكة شركائه في روسيا ببساطة لجعلها بديلاً عن نظام “سوفت” قابلاً للتطبيق.
بيد أن “كِبس” أصغر سعة بكثير، إذ لا يزيد حجم شبكته على عشر شبكة “سوفت” المؤلفة من 11 ألف مؤسسة مالية، وفي روسيا لا يوجد سوى مركز مقاصة واحد لـ “كِبس” لذا يتحتم إجراء الصفقات التي تستخدم نظام التبادل المذكور باليوان الصيني، وهذا أمر له عيوبه بسبب الضوابط الصارمة التي تفرضها بكين على رؤوس الأموال وتحول دون إخراج العملة من الصين بمبالغ كبيرة.
استخدام نظام “كِبس” في التعاملات المالية مع المصارف الروسية سيكشف المصارف الصينية أمام العقوبات الأميركية.
تصلح الصين أيضاً لأن تصبح مزود نقد حيويا لموسكو من خلال احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية، حيث تميل بعض الدول للاحتفاظ بأصول من العملات الأجنبية في الخارج للحفاظ على قدرتها الشرائية في حالة تعرض عملاتها لانهيار سريع في قيمتها، كما حدث الان للروبل. معظم هذه الأموال المودعة لروسيا في الخارج جمدتها الدول الغربية، بيد أن هناك نحو 13 بالمئة من احتياطيات العملة 
الأجنبية الروسية، أي ما يقدر بـ 77 مليار دولار، مودعة بأصول صينية منذ شهر حزيران وفقاً لأحدث الأرقام في سجلات “بنك روسيا”.
 
في مجال الطاقة
تقلص المنافذ أمام عمالقة الطاقة الروس للوصول إلى أوروبا بهذا الشكل الجسيم حفزهم على توسيع حضورهم في الصين، فمن المعلوم أن خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي كان مخططاً له أن ينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً قد أرجئ العمل به بسبب العقوبات.
وجد عملاق الغاز الروسي “غازبروم” أن أفضل الآمال أمامه لتعويض ذلك الطلب هو مشروع “طاقة سيبريا-1” وهو خط أنابيب روسي صيني باشر التسليم في العام 2019. بيد أن هذا المشروع أدنى سعة بكثير كما أنه لا يزال على مبعدة عام على الأقل عن بلوغ طاقته القصوى، وهي 38 مليار متر مكعب في السنة. تجدر الإشارة إلى أن خط “نورد ستريم 1” لوحده قد تمكن من تسليم 59 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا في العام 2021.
على مسار خفض اعتمادها على الفحم قبل حلول العام 2030 يتوقع من الصين أن تتجه للاعتماد بدرجة أكبر على الغاز، و”غازبروم” تملك خطي أنابيب إضافيين إلى الصين، أولهما على وشك أن يبدأ العمل بإنشائه قريباً والثاني لا يزال قيد البحث، هذان الخطان معاً سيضيفان على مدى السنوات المقبلة نحو 70 مليون متر مكعب الى سعة الواردات السنوية.
من المحتمل أيضاً أن تلجأ الصين إلى شراء مزيد من النفط الروسي، الذي شكل ما يقارب نصف قيمة الصادرات الروسية إلى الصين في العام 2021. 
عندما زار بوتين بكين في شهر شباط الماضي أعلن عملاق النفط الروسي “روزنفت” عن صفقة أمدها 10 سنوات لتزويد الصين بـ 100 مليون طن من النفط عبر كازاخستان.
بيد أن لدى بكين رغبة شديدة أيضاً في إعطاء الأولوية لإنتاجها الذاتي وتحسين أمن الطاقة لديها، لذا شهد العام 2021 انخفاضاً في واردات البلد من النفط لأول مرة على مدى 20 عاماً وكان مرد ذلك جزئياً هو ارتفاع حجم الإنتاج الداخلي. 
يقول “مايكل ميدن” رئيس برنامج الصين في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة: إن براميل النفط الرخيص لا تزال تجد لها محطاً في الصين، وما دام الأمر كذلك فلا داعي للعجلة بتغيير الوضع في وقت التهاب الأسعار. يضيف ميدن: “لا تزال مستويات المخزون الاجمالي الان أعلى من مستويات العام 2019، وهذا يوفر للصين منطقة عازلة واقية.”
 
في مجال التكنولوجيا
بعد انقطاعها عن التكنولوجيا الغربية وخدمات الانترنت قد تجد روسيا نفسها مضطرة للاعتماد أكثر على التكنولوجيا الصينية، وهنا أيضاً سيضع تهديد العقوبات الثانوية الشركات الصينية في موقف شائك.
تتعرض أعمال شركة “هواوي” الصينية العاملة في روسيا حالياً لضغوط أشد نظراً لتوقف مزودي الاتصالات الأوروبيين “إيركسون” و”نوكيا” عن إيصال الخدمة إلى السوق الروسية، حيث أن منتجي المعدات والقطع التكنولوجية التي تشكل العمود الفقري لعمل الانترنت لا يتعدون حفنة قليلة فقط من الشركات. فما لم ترفع العقوبات قريباً قد تجد روسيا نفسها محتاجة للعون من شركات مثل “هواوي” أو “زي تي إي” الصينيتين للحصول على بدائل تديم بها عمل الإنترنت لديها.
الانتقال بشبكات الانترنت إلى التكنولوجيا الصينية لن يكون يسيراً مباشراً كما أنه لن يكون زهيد الثمن لأن “هواوي” وسواها من الشركات تناضل بقوة لمواكبة الشركات الأوروبية وحضورها الراسخ في عالم الهاتف المحمول في روسيا، بيد أن وصول “الجيل الخامس”، وما يصاحبه من المعدات والمتطلبات، أوجد متنفساً حيث أطلقت “هواوي” شبكة تجريبية لخدماتها عالية السرعة في موسكو بالتعاون مع مشغل الهواتف المحمولة الروسي “أم تي أس”.
من الواضح أن الفراغات المتخلفة عن انسحاب شركات التكنولوجيا الغربية التي سيكون بوسع الصين تغطيتها بسهولة هي ساحة الالكترونيات الاستهلاكية. فغياب اسمي “أبل” و”سامسونغ”، اللذين تشكل حصتهما معاً 45 بالمئة من السوق الروسية، يمكن أن تغطيه شركات صناعة الهواتف الصينية مثل “زايومي” و”أونور” و”ريالم”. أما علامتا “أتش بي” و”ديل” فمن الممكن أن تسد فراغهما علامة “لينوفو” التي تعد من أعلى العلامات التجارية مبيعاً في روسيا.
لكن تقريراً لصحيفة “فايننشيال تايمز” أفاد بأن إرساليات الهواتف الذكية الصينية إلى روسيا قد انخفضت منذ بدء الغزو نظراً لتخفيف الشركات ظهورها تحت الضوء في ظل انهيار قيمة الروبل والارتباك الذي تشهده بيئة الأعمال.
من المحتمل أيضاً أن تبدي الشركات الصينية تردداً أشد ازاء توفير التكنولوجيا الحساسة، مثل أشباه الموصلات المتقدمة، التي يعتمد إنتاجها بشكل كامل تقريباً على التكنولوجيا والمعدات الأميركية مخافة أن تفقد قدرتها المحدودة أصلاً على اقتناء تلك المعدات الأساسية المهمة من الولايات المتحدة.
يقول “مارتن شورزيمبا”، وهو زميل باحث من “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي”: “معظم المؤسسات الصينية الكبيرة لن ترغب في ركوب مجازفة الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية، لذا فإن خرق العقوبات سترتكبه على الأرجح المؤسسات الصغيرة التي لا تملك الكثير كي تخسره، لذا يبدو أن موقف الصين بشكل عام سيكون الاستجابة رغم إبداء التذمر والشكوى.”