كورونا وتأثيرها في المكان المدن الروسيَّة وتعاملها مع الجائحة

بانوراما 2022/04/05
...

أثبتت رحلة طالت شهرا إلى موسكو وجنوب روسيا كونها مفاجئة بعدة طرق، فبينما نزع الكثيرون لعدم التزام جانب الحذر، لم تعمل الجائحة على تغيير منهج الحياة الروسية.
  اجاي كامالاكاران
  ترجمة: بهاء سلمان
في صباح جليدي خلال الإسبوع الأول من كانون الأول 2019، حينما تركت سانت بطرسبيرغ متوجها إلى موسكو كي أغادر البلاد، لم أكن أملك مطلقا أية فكرة عمّا هو مخبأ للعالم خلال أشهر قليلة؛ فإذا أخبرني أحدهم حينها بأنني سأفترق عن وطني الثاني لسنتين تقريبا، كنت لأسخر منه بشكل صريح. بعدها، في سنة 2020 و2021 بالطبع، فسح الشتاء الطريق للربيع والصيف والخريف قبل قراري بالابتعاد عن روسيا لمدة طويلة جدا. ويطرح هنا سؤال: كم من الوقت يمكن للمرء العيش بخوف من حالة الإغلاق التام، ويعلق في مدينة أو دولة أخرى؟
 
السيطرة الصحيَّة
بالتالي، كنت هناك، في قاعة المغادرين لمطار دلهي، مصمما على قضاء شهر في روسيا، متحمّسا لمعرفة ما ينتظرني في موسكو مع خضوعها لإجراءات متعلقة بالجائحة! دارت في ذهني صور ومقاطع الفيديو الخاصة بإجراءات السيطرة الصحية والفحوصات والمتابعة وما شاكلها مع هبوط الطائرة مع بزوغ الفجر في موسكو. كان على جميع المسافرين الأجانب ملء استمارة تصريح صحي، وبلغّنا بضرورة إجراء فحص الكورونا بعد الإنتهاء من إجراءات الدخول. مع مغادرتي للطائرة، كنت مستعدا ذهنيا لرؤية ضابط بدائرة مراقبة جوازات السفر، وبعض نقاط التفتيش وإجراءات فحص طويلة، لكن لم يحصل أي شيء من هذا القبيل.
كان حرس الحدود غير مرتدين للكمامات، وبشكل مثير للدهشة، لم يكونوا حتى متأففين من العمل بوقت مبكر جدا. وعندما قدّمت تصريحي الصحي، أخبرني الموظف الشاب والدمث بعدم الحاجة لإجراء فحص آخر، لأنني أجريت واحدا قبل رحلتي. ولم يكن أي مسافر مرتديا للكمامة في منطقة استلام الأمتعة، وبدا عدم اكتراث أي موظف رسمي لذلك، ليكون هذا دلالة على القادم من أمور.
 
حشودٌ قليلةٌ في موسكو
سواء في الطرق العامة داخل مركز المدينة أو المترو، تشعر أن موسكو أقل زحمة بالبشر، فقد منحت عدة مؤسسات في العاصمة الروسية الناس خيار العمل من المنزل، وتمسّك كل صديق لي بهذا العرض بشدة. وأخبرني المشرفون الإداريون عن زيادة الإنتاجية لموظفيهم منذ بداية توفيرهم للطاقة التي كانوا يبددونها برحلة تستمر من ساعة إلى ساعتين يوميا للوصول إلى أماكن العمل.
التغيير الملفت للنظر في شوارع موسكو كان العدد الهائل لموصلي الطعام، وكان من الصعب السير في الشوارع الكبرى بدون عامل توصيل يسير على سكوتر كهربائي بالقرب منك. واعتاد الموسكويون جدا على طلب الطعام بالتوصيل، لتقل أعداد مرتادي المطاعم والكافيهات. ولا تنطبق هذه القاعدة على المناطق الأكثر شعبية، والتي بدت مكتظّة في غالبية الأمسيات. وبالعودة إلى المترو، وحتى في ما كان يفترض كونه ساعات الذروة، ظهرت العربات أقل زحمة، رغم وجود ما يكفي من ناس داخلها لرمي مفهوم "التباعد الاجتماعي" في نهر موسكفا.
 
كمامة أم لا؟
فنيا، تم فرض تفويض الكمامة على جميع وسائل النقل العام، لكن هذا تمَّ تجاهل هذا القرار بشكل كبير بمترو موسكو. وفي الحافلات الكهربائية الحديثة العالية الجودة للمدينة، لاحظت عدم ارتداء أي شخص للكمامة. واخبرت بوجود مداهمات مفاجئة على عربات المترو مع فرض السلطات لغرامات مالية صارمة على كل فرد لا يضع الكمامة.
وتصرّ المطاعم على الكمامة حين الدخول، لكن بمجرد جلوس الزبون، يتم خلع الكمامة ولا أحد يهتم بطلب ارتدائها حين الخروج. أما المتاحف، والتي تصرّ على طلب التذاكر من خلال الانترنت، فهي تحاول فرض ارتداء الكمامات. وبعد مدة ما، لا يأبه الموظفون، الذين سئموا من إرتداء الكمامات، لخلع الزوار لكماماتهم.
المكان الوحيد في روسيا الذي يطبّق فيه ارتداء الكمامات بشكل إلزامي هو داخل الطائرة. وفي رحلة من موسكو إلى سوشي، صاح أحد الممانعين للكمامات حول "حقوقه الدستورية"، رافضا وضع الكمامة. ومع هبوط الطائرة، طلب الطاقم من المسافرين البقاء جالسين لحين خروج الشرطة الذين صعدوا على متن الطائرة! فقد دخل ثلاثة رجال شرطة لاعتقال الممتنع؛ وعلمت من أحد المسافرين أن هذا الأمر يحصل مرارا.
 
اللقاح الروسي
لم تدم محاولات فرض بطاقة نظام "الرد السريع" الالكترونية في مطاعم موسكو طويلا، وهو نظام يظهر تلقيح الزبون، مع تعرّض هذه المصلحة التجارية للخسائر المادية. ومع ذلك، طلبت العديد من المؤسسات الروسية من الزوار هذه البطاقة الالكترونية لتبيان وضعه من التلقيح، أو الشفاء حديثا من الكورونا، أو نتيجة سلبية خلال الـ72 ساعة الأخيرة.
السفر بوثيقة تلقيح هندية ورفض للقاح الروسي، توقعنا حصول مشكلات في مدن استراخان وفولغوغراد وسوشي، لكن هذا لم يحصل. لم تستطع مطاعم هذه المدن فحص بطاقتي الالكترونية، لكنها سمحت لي بالدخول حينما قلت أنني تلقيت اللقاح. أما بالنسبة لصديقتي، فقد اقترحوا عليها أن تقول أنها في الثلث الأول من الحمل، ولذلك لا يمكن تلقيحها. طلبت مطاعم أخرى منها غلق هاتفها، وفي حالة وجود مداهمة، ما عليها سوى إخبار السلطات بأن بطارية هاتفها لم تشحن، ولذلك لا يمكنها إبراز البطاقة الالكترونية الخاصة بكورونا.
 
علاقاتٌ جديدة
وتعج أخبار وسائط التواصل الإجتماعي بتقارير حول ارتفاع الحالات والعلاج في المستشفيات والوفيات، لكن على الأرض، يبدو هناك عدم وجود شعور بالذعر؛ وعلمت بأن الناس قد سئموا من تخويفهم من مرض كورونا، وتعلّموا العيش مع الجائحة. وهناك انقسام كبير في المجتمع الروسي حول موضوعة التلقيح، ولم يمر يوم واحد من رحلتي إلا وسمعت نقاشا بين المؤيدين والممانعين للقاح، كما سمعت عن نظريات بين السطور عن توظيف كائنات فضائية للّقاح لأجل السيطرة على كوكب الأرض!
وتفككت صداقات طويلة الأمد بسبب موضوعة التلقيح، فهو يعد هنا قضية خلافية للغاية حقا. في الواقع، أراني أحد الأصدقاء الساعي للعودة إلى لعبة المواعدة تطبيقات على الهواتف النقالة، حيث تصر النساء على مواعدة الأشخاص غير الملقحين فقط، وأشار إلى وجود الكثيرين المناصرين للإتجاه الآخر.
وبالقدوم من مجتمع مذعور، تولّد لدي إحساس رهيب بحرية شخصية في روسيا هذا الخريف، فبعكس العالم، لم تتغيّر الضيافة والانفتاح الروسية، وهو بلد لا ينظر شعبه إلى الأجانب كونهم ناقلين لمتحوّر جديد وخطر لكوفيد- 19. وكان الأصدقاء، على مختلف مواقفهم من التلقيح، متلهفين لدعوتي إلى منازلهم، ولم يكن هناك أحد خائف من العناق أو المصافحة اليدوية. ولحسن الحظ، تملك السلطات الروسية منطقا سليما بما يكفي لعدم إرغام الناس على إرتداء الكمامات في الأماكن المفتوحة.
ومن الواضح من كل فرد تفاعلت معه أن شهر نيسان 2020 مثل وقتا مرعبا داخل روسيا، لكن حتى أكثر أصدقائي حذرا كان لديه حس من التوازن بالطريقة التي تعامل وعاشر فيها حقيقة الجائحة.
 
موقع رشا بيوند الروسي