أثر الصوم في النفس البشريَّة

استراحة 2022/04/05
...

  فؤاد عبد الرزاق الدجيلي      
من المعلوم أنَّ التجربة الرائعة في شهر رمضان المبارك تترك آثارها الطيبة والعميقة في كيان الفرد المسلم، وحسه ووجدانه وشعوره ووعيه فتيقظه. كل هذا إلى جانب الشعور الإسلامي الذي يعزز الصيام والانتماء إليه ويدعمه. 
ولا شك أنَّ هذه التجربة تؤثر في الفرد والمجتمع كله. ومن بين هذه الآثار ما يترك بصماته في شخصيَّة المسلم. تلك الشخصيَّة التي يُعرفها علماء النفس بأنها تتكون من جميع صفات الفرد وخصائصه الفريدة: الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية والروحية 
والعلمية. 
هذه الصفات لا توجد مرصوصة بعضها فوق بعض، لكنها توجد بصورة متفاعلة متكاملة، حيث يسود التأثير المتبادل بين عناصرها المختلفة.
فالصيام من التجارب التي تؤدي إلى قوة الشخصية وسلامتها، وتمتعها بالصحة العقلية النابعة من الإيمان الداخلي، والصفاء الذهني. وفي الصيام تطويع لقوى الإنسان البدنية وشهواته وغرائزه وملذاته وإخضاعها لقواه العليا المتمثلة في عقله الواعي وضميره الحي وإيمانه الراسخ. ومن الجدير بالذكر أنَّ الصيام يقوي صاحبه على مواصلة الجهاد والكفاح والنضال والمثابرة والتروي والتأني، كما يقوي فيه مشاعر الانضباط والالتزام والطاعة.
وإذا كانت قوة الشخصية تظهر في مقدار ما يبديه الفرد من ضبط النفس، فإنَّ الصيام يقوي هذه الملكة في الإنسان. وإذا كانت الشخصية القوية تتسم بقوة الإرادة والحسم فإنَّ معاني الصبر والتحمل تفتح للنفس آفاق الخير والنعيم. جاء في الصحيحين عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إنَّه قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين) كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (أنَّ للصائم عند فطره دعوة لا ترد).
ومن فوائد الصيام الجليلة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (كـُتبَ عليكم الصيام كما كـُتبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة - 183). وعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله في فضل الصيام في جلب الصحة والعافية (صوموا تصحوا). ومن هنا نستطيع القول إنَّ الصيام يقوي من إرادة الإنسان، وينمي فيه القدرة على الصبر والتحمل والجلد على مواجهة 
معاناة الحياة.
فالديانة الإسلاميَّة تعنى بالإنسان وبقيمته الحياتيَّة، ولم تتوفر طريقة من الطرق التي تربي في الإنسان ملكة الثقة بالنفس والحرص على الخلق القويم إلا وكان الإسلام أول من أمر بها ووضع لها البينات للسير بها سواء السبيل. ففي الآية الكريمة (كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) دلالة بأنَّ الصيام ليس جديداً على المسلمين، بل كان به هداية للبشرية جمعاء، ومن الجدير بالذكر أنَّ التقوى والارتقاء واتخاذ الوقاية من مهاوي الزلل والريبة فرضٌ من فروض الله سبحانه وتعالى، أمر بها للابتعاد عن كل ما يريب أو يشين. 
وفي الصيام وقاية من مهاوي الزلل ومواضع الريبة لتباعد بين المرء والميول الخاطئة والمنكرات، وفوق ذلك كله فإنَّ الصيام حصنٌ للفرد كما هو حصنٌ للجماعة، يقي المرء من الوقوع في الرذيلة، وإذا ما صلح الفرد صلح المجموع، والصوم على هذا يقي ويحفظ الفرد والجماعة.
وفي الحديث النبوي الشريف (الصوم جنة فاذا كان أحدكم صائماً فلا يخطأ أو يشتم، وإذا تجاوز عليه أحد فليقل: إني صائم.. إني صائم) ومعنى ذلك أنَّ الجُنة هي الدرع الواقي من الضرر الذي يؤدي بالمرء، فكما يقي الدرع صاحبه من سهم يخترق صدره أو يغلق هامته، فكذلك الصوم يقي صاحبه من السقوط في الرذيلة وارتكاب 
المعاصي. 
ويمكن القول إننا نستطيع أنْ نضع الحديث النبوي الشريف (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة في أنْ يدع طعامه وشرابه) نصب أعيننا مناراً من نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفعنا في طريق الاستقامة والمعاملة السليمة مع الآخرين.
وسلام عليه "يوم يبعث حيا"