القمر والهلال في أيام رمضان

استراحة 2022/04/05
...

اللغة العربيَّة من أعظم اللغات، وهي التي لها قصبُ السبق في اللفظ والمعنى والاشتقاق الذي يعدُّ لغة منمقة داخل لغة مهذبة، وعندما نتناول كلمة (الهلال) فإنَّه مفرد أهلَّة، ويرادُ منه القمر بعد بلوغه، وحينما يخرج من المحاق ويمسي مرئياً وتربيعه الأول سبع من الليالي. وفي الليلة الرابعة عشرة يمسي بدراً. والتربيع الثالث يبلغ عمر القمر إحدى وعشرين ليلة. وهي من منازل القمر بين البروج التي منها أمنا الأرض. 
 
عبد الرضا موات البهادلي
والشهر القمري ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون. وزمنه الفلكي تسعة وعشرون يوماً واثنتا عشرة ساعة وأربع وأربعون دقيقة وثانيتان وثلث الثانية.. أي ما يعادل (708 ساعة و44 دقيقة وثانيتين وثلثاً). وحينما يكون الشهر القمري ثلاثين يوماً يقع النصاب في الاثنتي عشرة ساعة والأربع والأربعين دقيقة الزائدة التي هي أكثر من نصف يوم. لذا عدت هذه البقية في الشرع الإسلامي يوماً، ومن ذلك تقلب الشهر القمري بين الثلاثين والتسعة والعشرين.
أما كلمة الشهر فهي من الاشهار. وتوصف الليالي البيض بأنها من الشهر العربي، وفيهن يكون القمر في أوج سطوعه لذا كان لهن وضعٌ مميزٌ عن الليالي الأخرى. وكما أنَّ للقمر علاقة واضحة وبينة في المد والجزر، فإنَّه لا يقلّ أهمية على صورة السمو النفسيَّة على الإنسان، لا سيما سكان السواحل. 
إنَّ عمل القمر العجيب هو الحرس السماوي الذي يحافظ على الأرض من الانفلات عبر الجاذبيَّة والبعد الكوني الذي أتقنه الخالق القدير سبحانه وتعالى، ولم تكتب الحياة في القمر، واليوم هناك ما يقرب من أسبوعين من عمر القمر (بحساب أهل الأرض وقانون الجاذبية على سطح القمر) لا يعمل كما هو واقع على الأرض بحساب السنة الأرضية. والمسلمون متفقون على أنَّ بداية الشهر تكون عند الرؤية أو بعد إتمام عدة الشهر، لكنهم يتباينون حول رؤية الهلال فهناك من يأخذ بالرؤية بالعين المسلحة (بجهاز تكبير الرؤية) وآخر من لا يرى لذلك أصلاً عند السلف مقتدياً بسنة النبي الأكرم (ص) (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) وهو حديث مشهور.
ورد ذكر القمر (27) مرة في القرآن الكريم فضلاً عن سورة القمر التي هي من قصار السور المكية وعدد آياتها (55 آية). والقمر ورمضان سيان لا يفترقان، فالأول محور الزمان المثبت أو الثابت، والثاني مكان الزمان المتحرك. 
إنَّ أبجدية شهر الصيام متعلقة في الدورة القمريَّة، فمنذ أن يبدأ هلال خلال دورته الفلكيَّة حتى يستتر عن الرؤية مرة أخرى تراه في باحة رمضان الواسعة بين الأسحار وأثلاث وأرباع الليل الباسم بالقمر الساطع حينما يكون بدراً والليالي البيض الحاضرة الغائبة على مدارج القمر في الزمان الرمضاني الساحر. فهذه الجاذبية الكبرى التي تحرك مياه البحار بالمد والجزر تسهم في إزاحة القلق المضني الذي صنعه الإنسان بنفسه بعد تحرره من القوانين الطبيعيَّة التي جُبِلَ عليها ليصبح القمر ورمضان مدخلين للابتعاد عن الأمور الأخرى المكتظة من باقي الشهور.
للقمر موروثٌ واسعٌ في ذاكرة الشعوب فكان رفيق الإنسان في تحولاته وقد أخذ بعداً غير قليلٍ في الأدبيات الإنسانيَّة عامَّة ومعظم 
الفنون. 
ونحن في العراق لنا حكايات وقصصٌ منذ نعومة أناملنا، حينما كنا نقول بصوتٍ عالٍ إنَّ الحوت بلع القمر، وغالباً ما يرافق ذلك الطرق العالي على الطبول وأشياء أخر كانت متاحة.
واليوم ونحن في فضاء شهر رمضان صرنا بأمسّ الحاجة للابتعاد عن الظلمة التي يعيشها العالم الزاحف نحو الدمار الشامل والاضطراب وربما الفوضى للأسف.. فهلموا أحبتنا لنغترف من رمضان المزيد من الاهتمام واللياقة الإنسانيَّة التي تجعلنا نهتم بالآخر التائه بين الحقيقة والوهم تحت ضوء القمر الجميل.