كنوز بعضها مهمل والآخر استولي عليه خارج القانون

العراق 2019/03/17
...

بغداد / أحمد محمد 

يتأطر التصرف في عقارات واملاك الدولة بقانون يحصر الاستفادة منها بالمنفعة العامة على أن تديرها وتستغلها الحكومة أو الدولة التي تمثل الأفراد والجماعات، لكن يبدو ان ثمة ثغرات كثيرة تشوب القانون جعلت هذه الاملاك تضيع بين إهمالها عرضة للاندثار وبين هيمنة بعض الجهات المتنفذة التي استولت على المهمة والحيوية منها، أمور جعلت هذا الملف من أكثر الملفات تعقيداً وأهمية في العراق، بسبب تشعب التجاوزات التي طالت جهات وأحزاباً وشخصيات سياسية متنفذة من مختلف الأطياف تقريباً.
وتختلف املاك الدولة الكثيرة وتتعدد من حيث الانشاء والحجم، إذ أن قسماً منها كان مقرات حكومية في زمن النظام المباد وبعضها يصلح للاستثمار ويمكن ان يفتح ابوابا لرفد الاقتصاد الوطني، إلا أنه لا توجد، حتى الآن، بوادر لاستغلالها بشكل يوفر عائدات مهمة لاسباب عديدة يحاول التقرير إلقاء الضوء عليها.
 
تفاوت في القوانين
ويقول مدير عام دائرة عقارات الدولة، المهندس احمد حسن الربيعي، في حديث لـ"الصباح":  إن "دائرة عقارات الدولة تختص وفق قانون بيع وايجار املاك الدولة 21 لسنة 2013 المعدل بادارة العقارات التابعة لوزارة المالية حصرا والاموال الصادرة المشمولين بقانون 72 لسنة 2017 ومن ضمن القوانين والقرارات التي تعمل بها الدائرة قانون الاستثمار الصناعي رقم 20 لسنة 1998".
وأضاف الربيعي، أن "جميع الوزارات لديها املاك مسجلة بالسند وكل وزارة تدير أملاكها وعقاراتها وفق قانون بيع وايجار الدولة الموحد"، مستدركاً أن "لكل وزارة قراراتها الخاصة بادارة تلك العقارات فوزارة البلديات مثلاً تسمح، بموجب قانونها، بتمليك تلك العقارات للمواطنين دون إجراء مزايدة علنية وبموافقة الوزير وهذا ما لا ينطبق على الاملاك التابعة لوزارة المالية التي ليس لها الحق بتمليك العقارات التابعة لها لاي جهة الا عن طريق المزايدة العلنية".
ولفت الربيعي إلى أنه "بسبب تعدد المرجعيات الخاصة بعقارات الدولة الذي يؤثر بشكل سلبي في ادارتها طلبنا وفق كتب رسمية توحيد جميع املاك الدولة ضمن دائرة او هيئة  ترتبط بشكل مباشر بمجلس الوزراء على غرار سلطة الطيران المدني وبالتالي ستطبق هذه الهيئة قرارات المجلس بصورة فعالة وبشكل مباشر دون المرور بالبيروقراطية واتخاذ القرار الصائب في ادارة هذه العقارات بما يخدم مصلحة البلد وتعزيز الايرادات ونجاح الاستثمارات وتخليصها من سيطرة الجهات المتنفذة اذا ما تم توحيدها ضمن جهة واحدة".
ويوضح الربيعي، لـ"الصباح"، أنه "لتوحيد مرجعية عقارات الدولة هناك مقترح مقدم الى الجهات العليا لغرض البت به واتخاذ قرارات حاسمة بشأنه، فنحن كجهة نمتلك قاعدة بيانات للاملاك التابعة لوزارة المالية الا اننا لا نملك الصلاحية باحصاء جميع الاملاك التابعة لسواها وبالتالي دائرة التسجيل العقاري تمتنع عن تزويدنا بأي سند ملكية لعقاراتها لذلك شُكلت لجان متعددة من مختلف الوزارات لاجراء مسح  للعقارات التابعة للدولة"، داعياً جميع المؤسسات ذات العلاقة إلى "توحيد جهودها لمنع التجاوز على املاك وعقارات الدولة وألا نرمي المسؤولية على جهة دون اخرى".
بدوره، يقول عضو اللجنة القانونية النيابية النائب حسين العقابي: إن عقارات الدولة متعددة ومتنوعة ويمكن لاي شخص ملاحظتها، فعند المرور بساحة الخلاني تجد ان مبنى وزارة التجارة مازال مهجورا كما هو حال الكثير من البنايات المتروكة والمتضررة جراء الحرب منذ عام 2003، لذلك على الدولة اعادة تأهيل هذه الثروة الوطنية واستثمارها بما يخدم الصالح العام وايجاد ايرادات اخرى غير النفط تخدم الموازنة العامة للدولة. 
ويؤكد العقابي النائب عن كتلة النهج الوطني، لـ"الصباح"، أن "بعض الجهات المتنفذة تجاوزت على المال العام وهذا التجاوز جريمة يعاقب عليها القانون، لذا هناك حملة من قبل مجلس النواب لاعطاء غطاء قانوني لاستثمار وحماية هذه العقارات خاصة الموجودة في المنطقة الخضراء التي تم الاستيلاء عليها من قبل شخصيات سياسية ووزراء سابقين بعضهم وضع يده على اربع او خمس عقارات منها، لذا على الجهات ذات العلاقة استعادة هذه الثروة الوطنية والاستفادة منها لزيادة ايرادات الدولة وعدم تركها عرضة للاستغلال".
فيما اكد عضو اللجنة القانونية النائب عن تحالف سائرون محمد  الغزي، في حديث لـ"الصباح" أنه "قبل انتهاء الفصل التشريعي الاول تم تشكيل لجنة لمتابعة ملف عقارات الدولة المهملة والمستولى عليها من قبل بعض الجهات المتنفذة الا انها لم تباشر عملها الى الآن"، مبيناً أنه "بحسب قانون الموازنة سيتم اتخاذ إجراءات تأخذ بنظر الاعتبار بدلات الايجار وان يكون اقل ايجار ستة ملايين دينار للعقار ويزيد السعر بحسب مساحة العقار الى عشرين مليونا وهذه احدى وسائل الضغط على بعض الجهات التي تستفيد منها مجانا".
وتابع الغزي أن دائرة عقارات الدولة شكلت لجنة لاجراء مسح على كل تلك العقارات وتزويد مجلس النواب بتقارير عن اسماء الحائزين ممن هم في السلطة أو خارجها وعلى رئيس الوزراء اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحقهم". 
إيرادات اخرى
من جانبه، لفت عضو اللجنة المالية النيابية النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الدكتور احمد الصفار إلى أن قرار رئيس مجلس النواب بتشكيل لجنة لمسح عقارات الدولة ووضع نظام خاص لايجارها حتى وان كان بأثر رجعي وسيلة ضغط على بعض الاحزاب التي ما زالت تستغل هذه العقارات.
وذكر الصفار، لـ"الصباح"، أن "أهم مصادر الايرادات العامة هي املاك الدولة اذا ماتم استثمارها بشكل صحيح كما كان معمولا به سابقا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي اذ كانت الدولة تحصل على ايرادات كبيرة من املاكها ولكن بعد عام 2003 خسرنا اكبر مورد للدولة بسبب سيطرة الاحزاب والشخصيات السياسية وعدم  دفعهم لايجار تلك العقارات".
ولفت الصفار إلى أن "النفط يشكل نسبة 93 تريليونا من الموازنة الحالية واعتماد العراق على اقتصاد احادي الجانب مسألة خطيرة جدا،  لذلك يجب التوجه إلى جميع المصادر التي تزيد من ايرادات الدولة، واحد اهم المصادر كما ذكرنا انفا املاك الدولة التي لا تقل اهمية عن ايرادات النفط".
بينما يقول عضو لجنة الخدمات والاعمار النيابية الدكتور وليد السهلاني، في حديث لـ"الصباح": إن "عقارات الدولة تمثل مادة اقتصادية مميزة ونوعية اذا ما تم  تسليط الضوء عليها من قبل مجلس النواب ووضع اطر قانونية تتلاءم مع قيمة العقارات المستغلة من قبل بعض الشخصيات النافذة بمبالغ بخسة جدا غير ملائمة لسعرها الحقيقي وموقعها الستراتيجي المهم الذي يمكن ان ياتي بواردات مالية للدولة اذا ماتم استثماره".
ويشير السهلاني إلى الحاجة لعمل كبير ومضن لتحقيق عوائد مالية تتناسب مع قيمة عقارات الدولة عن طريق التخلي عن البيروقراطية والروتين الخانق الذي تسبب بالفوضي في التعامل مع هذا الملف،  فضلا عن إيجاد فسحة للمستثمر والقطاع الخاص وفق اطر قانونية نستطيع من خلالها التخفيف من حدة البطالة وايجاد فرص عمل للعاطلين وبناء اقتصاد قادر على دعم البلد والتخلي عن الاقتصاد الاحادي من خلال استثمار هذه العقارات"، مؤكداً أن "السلطة التشريعية مصرة على تحريك لجان قانونية لمتابعة موضوع العقارات ومتابعة المستغل منها من قبل سلطة او نفوذ معين ومعرفة طبيعة الواردات التي يمكن ان تستفيد منها الدولة". 
 
الأوساط الاقتصادية
يمثل التعاطي مع ملف أملاك وعقارات الدولة جوهر الفلسفة الاقتصادية للدولة واتجاهها العام للتعامل مع قضايا الاستثمار والتنمية، وفي هذا الشأن تشير استاذ ادارة الاعمال جامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة، لـ"الصباح"، إلى تزايد الدعوات من جانب بعض المستشارين وكبار المسؤولين الحكوميين، الى استثمار عقارات الدولة واعادة تأهيلها لغرض توفير ايرادات مالية لخزينة الدولة التي تعتمد بشكل كبير على النفط وتطرح في الغالب هذه الدعوة بسبب استغلال بعض الجهات المتنفذة لهذه العقارات. 
وأكدت نعمة أن "الاراضي والعقارات العائدة للدولة تزيد على (70 بالمائة) من اجمالي اراضي العراق التي لم تستغل بشكل يتناسب مع الحاجة الاقتصادية لزيادة ايرادات الدولة"، مبينة ان "اهمالها وعدم تنفيذ المقترحات التي تزيد من اهميتها ستبقي العراق على ما هو عليه بلدا احادي الاقتصاد وتبقي هذه الممتلكات تحت تصرف كبار المسؤولين مقابل اثمان اقل ما يقال عنها أنها بخسة لا تساوي القيمة الحقيقية التي ستدرها اذا ما تم استثمارها وتهيئتها للصالح العام".
ونبهت نعمة إلى ان "الاستخدام الكفوء لتلك الممتلكات واستثمارها من  قبل مستثمري القطاع الخاص ممن لهم القدرة على الادارة الناجحة سيقلل حاجة الدولة الى الاقتراض الخارجي او الداخلي وسيسهم في رفد النمو الاقتصادي، وإيجاد فرص عمل للعاطلين والتقليل من حدة البطالة". 
من جانبه، شدد المستشار الاقتصادي لرابطة المصارف العراقية الدكتور سمير النصيري في حديث لـ"الصباح" "على "ضرورة قيام الحكومة باستثمار ممتلكات الدولة كالقصور الرئاسية بشكل يخدم الاقتصاد الوطني واستغلالها كمرافق سياحية وترفيهية يرتادها المواطنون ويشعرون بانها ملك لهم، بالاضافة الى تخصيص مبالغ مالية لاعادة ترميم العقارات المهملة في بغداد والمحافظات التي سبق ان تضررت نتيجة الحرب عام 2003 كبناية القوة الجوية بالقرب من المسرح الوطني وغيرها من البنايات التي يجب استغلالها".
ودعا النصيري جميع الجهات والاحزاب التي تستغل حاليا عقارات واملاك الدولة بشكل غير اصولي إلى "التقيد بتعليمات الحكومة ومغادرة هذه الاملاك من اجل السماح للحكومة بتنفيذ برامجها في اعادة اعمارها وتاهليها وتحويلها الى مواقع استثمارية تهم عموم المواطنين".
 
قوانين خاصة
ويوضح المستشار القانوني والاستاذ في كلية القانون جامعة بغداد الدكتور حيدر فليح حسن لـ"الصباح" إن "اموال الدولة او الاموال العامة تنقسم بحسب تخصيصها الى نوعين: اموال مرصودة للمنفعة العامة كالطرق والجسور واموال تستعملها الدولة كاستعمال الافراد لأملاكهم الخاصة ومثالها الاراضي الاميرية"، لافتاً إلى أنه "لا يجوز بيع اموال الدولة او ايجارها الا بقرار من الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او من يخوله اي منهما ببيعها او ايجارها عند تحقق المصلحة العامة".
وأشار حسن إلى أن "المادة الثانية من قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم 21 لسنة 2013 تنص على أنه (لا يجري بيع هذه الاموال او ايجارها الا عن طريق المزايدة العلنية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وللوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة او من يخوله اي منها صلاحية الاعلان عن انشاء حقوق المساطحة على الاموال غير المنقولة (العقارات) لاغراض الانشطة التجارية والصناعية والاستثمارية وبطريق المزايدة العلنية ايضا)".
ولفت حسن إلى أن "وضع اليد على اموال الدولة بصورة غير مشروعة يعد جريمة نصت على عقوبتها المادة 194 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، كما لا يجوز التصرف باموال الدولة او الحجز عليها او تملكها بالتقادم بحسب المادة 2/71 من القانون المدني العراقي رقم 40 سنة 1951". 
وأضاف حسن أنه "اذا انطوت عقود البيع او الايجار الواردة على اموال الدولة على غبن فاحش كان العقد باطلا كما نصت المادة 124/2 من القانون المدني العراقي وان ما يؤخذ على هذا النص انه لم يجز الطعن بالغبن في عقد تم بطريق المزايدة العلنية م 124/3  من القانون المدني العراقي رغم ان الكثير من المزايدات  تم تحديد الثمن فيها او الاجرة بشكل  زهيد جدا من قبل لجان التثمين او التقييم وبالتالي فان الامر يقتضي اعادة النظر في جميع عقود الايجار وعقود البيع التي لم تتم لحد الان للتاكد من عدم وجود غبن فاحش يلحق بانتفاع الدولة من العقارات المملوكة لها".