طفولة ضائعة في متاهات التسول المذل

ريبورتاج 2022/04/11
...

 قاسم موزان 
 تصوير: رغيب اموري
ماذا نتوقع من أطفال يقادون قسراً من ذويهم ويرغمون على التسول المذل في أماكن موبوءة وخانقة ومغرية في الوقت ذاته، وأي انتهاكات يتعرضون لها في عتمة غياب الإجراءات القانونية، فضلا عن الانكسارات النفسية لهم، فمثلا الطفل علوش كما يسميه ويعرفه سائقو السيارات يبدأ بتقبيل الأقدام طالباً خمسة آلاف دينار لشراء {التيشيرت} والبنطلون كما يدعي في كل مرة، ويردف أن أباه سيطرده من البيت إن لم يجلب له المال آخر النهار
 علوش وآلاف الأطفال يفقدون كرامتهم و براءتهم وأشياء أخرى، هم ضحايا الأهل بالدرجة الأولى ثم الظروف القاسية التي أجبرتهم على توفير لقمة عيش سائغة لأهلهم وغالية الثمن عليهم.
 
إجراءات
في هذا الصدد أبدت مديرة هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية غادة الرفيعي أسفها على اتساع رقعة الأطفال المتسولين بدفع ذويهم ليكونوا الضحية الأكبر، إذ يقعون فريسة سهلة للاستغلال من المقربين منهم وغير المقربين ولا يخفى ما تخلفه هذه الظاهرة من آثار نفسية عميقة على شخصية الطفل وصحته ونمائه وبناء مستقبله، لذا قامت هيئة رعاية الطفولة بتشكيل لجنة تضم ممثلين عن الجهات المعنية لدراسة أسباب الظاهرة وجذورها والعمل على إيجاد الحلول والمعالجات الضرورية بشأنها وعقدت اللجنة اجتماعاً برئاسة السيد وزير العمل والشؤون الاجتماعية د. عادل الركابي، رئيس هيئة رعاية الطفولة، وتم تدارس الموضوع ومناقشته بصورة مستفيضة وصدرت عن الاجتماع مجموعة من التوصيات المهمة لمعالجة ما تتركه هذه الظاهرة من مخلفات ومساوئ على الأطفال وعلى المجتمع برمته. وتابعت الرفيعي : قامت هيئة رعاية الطفولة بإطلاق الخطة التنفيذية لسياسة حماية الطفل 2022ـ 2025 بالتعاون والتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومشاركة الوزارات التسع المشاركة في الهيئة وتتضمن الخطة مجموعة من البرامج والأنشطة التي تعمل على الارتقاء بواقع الأطفال وحمايتهم من شتى الانتهاكات، وتعزيز حقوقهم عبر إصدار عدد من التشريعات والقوانين، فضلاً عن تفعيل القوانين النافذة.
 
ضحايا
من جانبه لفت د. عبد الواحد  مشعل الأستاذ في قسم الاجتماع بجامعة بغداد إلى أن من أبرز نتائج استخدام الأطفال في التسول من قبل ذويهم، نشأة جيل  يتعرض إلى الضياع  في الحياة الاجتماعية والتعليمية، ما يهدد بنشوء أجيال من الأميين، وإن ذوي الأطفال لا يهمهم سوى المال دون التفكير بمستقبل أطفالهم، وأشار مشعل إلى اتساع الظاهرة، وتعدد أشكال التسول، ومنها التسول بشكل مباشر أو العمل على تنظيف زجاج السيارات أو بيع بعض الأشياء البسيطة كوسيلة للحصول على المال، والمشكلة أن كثيراً من الناس تدفعهم عواطفهم لإعطاء هؤلاء الأطفال المال، وهم لا يعلمون أنهم يسهمون في تدمير مستقبلهم، وللحد من هذه الظاهرة ينبغي أولا محاسبة ذوي الأطفال وإنقاذ هؤلاء الأطفال فهم في النهاية ضحايا لا ذنب لهم.
انتهاكات
وقالت الناشطة المدنية هناء حمود عباس: إن استغلال الأطفال بالتسول سلوك محظور باستخدام الحدث للحصول على المال دون الاهتمام بكم المخاطر التي يتعرض لها الطفل جراء هذا العمل، ومن أكثرها خطورة تعرضهم للاستغلال والانتهاك الجنسي، ناهيك عن أننا نعيش في بلد ظروفه الجوية قاسية. 
 
اكتساب صفات
وأوضح د. أحمد عباس الذهبي، أستاذ علم النفس بجامعة بغداد: أن تسول الأطفال ينتج شخصيات في المستقبل تعاني من الشعور بالوحدة النفسية والسلوك العدواني، والشعور بتقدير الذات المتدني يكسبهم  صفات الاحتيال والكذب وهم يستجدون الآخرين لكسب تعاطفهم من خلال ما يظهرونه من فقر وعوز وسوء حال، إن الطفل المتسول تتولد لديه عملية الطمع، فلا يكتفي بالقليل بل يزيد طمعه كلما زاد تعاطف الناس معه، فلا يرى الطفل المتسول في الشارع إلا التمرد على المجتمع ومحاولة الكذب على الناس للحصول على المال، فهو ينمو نمواً غير طبيعي وغير سوي ويصبح مدمناً على التسول وكل سلوك سيئ يوصله لعقول ومشاعر الناس ليعطوه المال، إن المثير للسخرية أن بعض الأطفال المتسولين يشتمون من يعطونهم مبالغ مالية قليلة، وهذا مؤشر إجرامي خطير قد يؤدي فيما بعد إلى تحولات سلوكية عنيفة.
الجنبة القانونيَّة
وقال الحقوقي ناصر الموسوي: إن المادة (392)  نصت على تجريم من أغرى حدثاً على التسول وقد شددت العقوبة حين يكون الجاني ولياً أو وصياً أو مكلفاً برعاية الحدث أو ملاحظته فنصت (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أغرى شخصاً لم يتم الثامنة عشرة من عمره على التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر والغرامة التي لا تزيد على مئة دينار أو إحدى هاتين العقوبتين إذا كان الجاني ولياً أو وصياً أو مكلفاً برعاية أو ملاحظة ذلك الشخص)، في حين ترى السياسات الجنائية أن ظاهرة التسول هي مخالفات ليست جزائية كما تنص عليها بعض القوانين وإنما يمكن معالجتها عن طريق السلطات الإدارية مع منحها لبعض الصلاحيات، والحقيقة أن إغراء الحدث على فعل التسول هو فعل منظم بحاجة إلى معالجة قانونية أكثر حزماً، كونها جريمة ذات تأثير مستقبلي فهي ليست مرتبطة بشخص الحدث الذي يشكل ثنائية (الضحية والجاني) فقط وإنما هي جريمة ذات أبعاد مستقبلية وتعد أحد منابع الجريمة وصناعة المجرمين، فضلاً عن أنها واحدة من الاعتداءات الجسيمة على الطفولة والمعايير الإنسانية والأخلاقية والتربوية والقانونية.