أيام القدّاح

استراحة 2022/04/11
...

 محمد الكعبي* 
أجمل ذكرياتي كانت في ايام شهر رمضان المبارك حيث تختلف الأجواء لدينا عما هو موجود الآن، اذ كنا نشعر أنها أيام فرحة فنبدأ يومنا بطبول المسحراتي (حجي خليل )، ومن ثم دوام المدرسة والعودة منها وانتظار مدفع الافطار والجلوس على المائدة، ونحن نطيل النظر إلى شاشة التلفاز والتنصت على مآذن الحسينيات والجوامع، وطبعا كانت مائدتنا عامرة بكل أصناف الطعام الذي نحبه، ولا تخلو من ما لذَّ وطاب، واذا كانت تفتقد لطبق معين نتشوق لتناوله، غالبا ما نتفاجأ بأن الجيران قد بعثوا به لنا، حيث كان ذلك تقليدا معروفا في السابق يسمى بالعامية (طعمة رمضان)، يتبادل الجيران فيما بينهم أطباقا شهية قبيل الإفطار وبعض الحلويات احيانا بعد وجبة الإفطار .
ولعل أفضل عمل كان يصر أبي - رحمه الله- على الالتزام به هو أداء صلاة المغرب قبل الأفطار، وهذا ما أحاول زرعه في اولادي اليوم، وعادة ما بعد الوجبة نتوجه إلى المراقد المقدسة في بغداد والاستمتاع بأداء الصلاة والدعاء، وهي فرصة للتعارف بين الأسر المتواجدة هناك، كما أنني ما زلت أتذكر تلك الجلسات، التي لا تخلو من تبادل الحديث الشيق والمفيد، ويرافقها تبادل بعض المعلومات التي تخص حياتنا اليومية، أو يتم ذلك أثناء التجمع في مجالس خاصة عند أحد الوجهاء.
كذلك من بين أجمل الأيام التي لا يمكن أن تنسى خلال فترة الدراسة في الكلية، حيث كانت تجمعنا علاقات طيبة مع بعض الزملاء والأساتذة، وأتذكر حادثة ما زالت عالقة في ذهني، حيث كنت طالبا جامعيا في كلية خارج بغداد، وصادف أن سيارات الأساتذة وبعض الطلبة، كانت تقف في باب الجامعة وحدث اصطدام من قبل إحدى السيارات الكبيرة، التي يقودها شخص متهور وانحرفت عن الشارع باتجاه “الكراج” في باب الكلية، ما أدى إلى فوضى نتج عنها قلع سياج “الكراج” ودمر عددا من السيارات من دون خسائر بشرية الحمد لله، ولكنه كان يوما حزينا جدا، برز حينها حجم المحبة والألفة والاحترام بين الطلبة والاساتذة، فالعلاقات الشخصية والمهنية التي تجمعنا مع البعض، كانت مختلفة جدا في الزمن الماضي، لذا كان دائما والدي يوصيني بأن أقوم بترميم العلاقات، خاصة مع زملاء الدراسة والعمل وكذلك الجيرة والأقارب مهما حصل فيها من خلاف أو شرخ، والسعي لإصلاح أي قطيعة أو مشكلة بين شخصين قريبين علينا، ولربما قد ينتظر أحدهم الفرصة لإعادة هذه العلاقة من خلال مبادرة، وطبعا كان يقول إن الصلح والتسامح والاحتفاظ بالعلاقات الطيبة، يجلب لنا الحسنات ويرفع من شأننا في المجتمع الذي نعيش فيه.
تعدُّ وصايا والدي كوني كبير اخواني بمثابة دروس تعلمت منها الكثير، اذ كان يحثني باستمرارعلى التواصل مع ذي القربى، وتحمل ما يصدر منهم سلبا وتشجيع الإيجابي منها ايضا والايمان والقناعة بأن كل ما يأتينا ويحصل معنا هو مسجل عند الله عز وجل.
*كاتب واعلامي