شياطين الأسواق

الباب المفتوح 2022/04/13
...

نجم الشيخ داغر
ما إن حلّ علينا شهر رمضان ببركته وخيره حتى عاجلنا صاحب المولدة الأهلية برفع سعر الأمبير إلى خمسة عشر ألف دينار وجعل الخط ذهبياً.
وحينما امتنعنا عن الدفع محتجين بأن الكهرباء الوطنية جيدة وأنها مستمرة في هذا الشهر، أصر على رأيه وقام بعزلنا نحن الذين لم ندفع وقام بتحويل خطوطنا إلى مولدة أخرى، وأخذ يتربص انطفاء الخط الوطني ليلاً كي يحرمنا من الكهرباء.
مع هذا الفعل الشنيع ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، وخصوصاً الخضراوات التي تعد  العمود الفقري لموائد المواطنين، لا سيما الفقراء منهم، فكرت في الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه آاله) «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادى الجليل تبارك وتعالى رضوان خازن الجنة فيقول يا رضوان، فيقول لبيك ربي وسعديك، فيقول نجد جنتي وزيّنها للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ولا تغلقها عنهم حتى ينقضي شهرهم قال ثم يقول يا مالك فيقول لبيك ربي وسعديك فيقول أغلق الجحيم عن الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ولا تفتحه عليهم حتى ينقضي شهرهم ثم يقول لجبرائيل يا جبرائيل فيقول لبيك ربي وسعديك فيقول انزل على الأرض فغل فيها مردة الشياطين حتى لا يفسدوا على عبادي صومهم». 
فإذا كانت الشياطين تغل في هذا الشهر ولا دور لها في إضلال الناس، إلى ماذا نعزو فعل المحرمات وظلم الناس بعضهم لبعض، وفي خضم تأملي تذكرت العديد من الشواهد القرآنية التي لا تحصر الإقدام على فعل المحرمات بوسوسة الشياطين وإنما تعزوها إلى النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، بل إن القرآن يشير إلى ما هو أخطر من ذلك حينما ينسب الإيحاء والدفع إلى ارتكاب المعاصي لشياطين الإنس أيضاً، بل ويعد هؤلاء معلمين لشياطين الجن في قوله تعالى «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إلىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا  وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ  فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ». الانعام 112. إذن شياطين الإنس أحياناً هم من يوحون لشياطين الجن ويدلونهم على أحدث الطرق المبتكرة لارتكاب المعاصي.
عندها زال الاستغراب عني وفهمت لماذا لا يحدث ذلك التغيير الكبير في سلوك الكثير من الناس في شهر الصوم والشياطين مغلولة أياديها عن الوسوسة لهم. وبصُرت أيضاً بالكثير من حالاتهم، فهم ما بين من وصل لمرحلة الأستاذية التي تؤهله لأن يكون شيطاناً إنسياً، وبين من جُبلت نفسه على قالب السوء لكثرة ما ارتكبه من الذنوب والخطايا، فانتكس قلبه، وثالث متذبذب لا يدري أهو مع هؤلاء أو هؤلاء فتراه متخبطاً لا يلوي على شيء. 
واستطعت أن أصل أيضاً لتفسير الحالة التي تدعو أصحاب المحال أو البسطات في الأسواق إلى رفع أسعارهم، وكأنما حث الله على رفع الأسعار لا رفع الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك، وذلك لأنهم على تماس مباشر مع مقر الشر.
ففي حديث عن النبي الأعظم (ص) : شر بقاع الأرض الأسواق، وهي ميدان إبليس، يغدو برايته، ويضع كرسيه، ويبث ذريته، فبين مطفف في قفيز، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعة..)، وبطبيعة الحال هناك من نجا من هذه المعركة وخرج منتصراً على إبليسه وشياطينه ونفسه الأمارة.