سرور العلي
تصوير: نهاد العزاوي
مع التطور الذي يشهده العالم في التكنولوجيا ووسائل التواصل وشبكة الإنترنت، لم تعد للتلفزيون التقليدي أهمية تذكر، إذ وجد المتلقي أن تلك الوسائل تقدم له كل ما يرغب به من انتقاء العمل الفني أو البرنامج الذي يود مشاهدته من دون غيره، حتى نجحت بعض الشركات في إنشاء منصات للمشاهدة، لجذب المشتركين وتحقيق الاستثمار، ومنها منصة "شاهد"، و"فودو"، و "نتفليكس"، التي بدت بأنها تحاول القضاء على المحطات التلفزيونية والتغلب على مكانتها.
ذكريات أسريَّة
بالرغم من الإغراءات الكثيرة التي تقدمها منصات البث الرقمي، إلا أن للتلفاز حضوره ومكانته، لاسيما في مجتمعاتنا العربية لما له من أثر جميل بيننا، إذ يجتمع حوله أفراد الأسرة لمشاهدة الفيلم المفضل أو المسلسلات، وعادة ما يصاحب تلك الجلسات تبادل للنقاشات وتناول الأطعمة والحلوى وقضاء وقت ممتع، وهو على عكس ما نراه اليوم من تشتت في بعض الأسر، إذ لا يعرف الأب أو الأم ماذا يشاهد الأبناء.
الدكتور فلاح حاجم أوضح: "أن الثورة الرقمية دخلت لهذه الميادين، لتجعلها تتواكب مع متطلبات العصر، ألم نضطر للعودة إلى نتاجات الأقدمين المكتوبة على جلود الحيوانات والبردي واللوح الخشبي، لنتعرف على أسرار وخفايا حياة أجدادنا القدماء؟ ألم تُحدث مسلة حمورابي لتدخل الحاسوب والقرص المدمج والبلوتوث؟ ألم تدخل الأفلام الهندية العتيقة، وقصص ألف ليلة وليلة عالم اليوتيوب والتيك توك؟".
مضيفاً: "ربما ستتحول الشاشة الفضية إلى ذهبية، لكنها لن تختفي، سيكون أحفادنا بحاجة إلى ما تنتجه البشرية حالياً، مثلما نحن بحاجة لما أنتجته البشرية في عصور نهضتها ونكوصها، الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن الحياة في تطور وهي إلى الأمام دائماً، وسيبقى التلفزيون عاكساً لكل ذلك وناقلاً له".
منافسة
ويبدو أن موقع "يوتيوب"، هو الآخر يحاول سحب البساط من تحت أقدام التلفاز التقليدي، إذ يقضي معظم سكان العالم وقتهم في مشاهدة ما يقدمه من بث ونشرات أخبار وأفلام ومسلسلات، وبرامج ترفيهية واجتماعية.
يقول حيدر ساجد، طالب جامعي: "الشيء الممتع في منصات البث الرقمي أنه يمكنك من خلالها اختيار ما ترغب بمشاهدته، وتجاوز ما لا يلائم ذائقتك".
وتشاركه الحديث زميلته حوراء أحمد قائلة: "مع مرور السنوات يتراجع عدد المشاهدين للمحطات التلفزيونية، ويتم اللجوء إلى مشاهدة منصات البث".
قلق
وبينما يقاوم التلفزيون للتكيف مع التطور الحاصل في سرعة العولمة، وإدخال مواقع ومنصات جديدة تصارعه على البقاء، بدأ الراديو ينقرض شيئاً فشيئاً وهزم أمام هذا التطور.
وبيّن الموظف حسن محمود: "ما زلت احتفظ بجهاز الراديو ضمن الأثاث المنزلي، وهو من النوع القديم التراثي الذي يوضع في المقاهي العتيقة قبل ظهور التلفاز، وكان يعود لوالدي".
وبدت المعلمة أحلام محمد خائفة على مستقبل الوسائل التقليدية كالتلفاز والراديو والسينما من اجتياح شبكة الإنترنت، وما تقدمه من عروض مغرية للمتلقين، بالإضافة إلى قيام بعض المشاهير بتقديم محتوياتهم على موقع "يوتيوب"، بأنفسهم من دون الحاجة إلى شركات الإنتاج والتمويل، كقيام الطباخين بتقديم وصفاتهم من داخل منازلهم، وجني الأرباح من عدد المشاهدات.
بدايات
كان اختراع التلفاز في مطلع القرن التاسع عشر يمثل حدثاً مهماً ونقلة نوعية في مجال الاتصالات والمرئيات، فحل محل الراديو الذي كان في وقت من الأوقات النافذة الوحيدة التي يُرى من خلالها العالم، بحسب التربوي اياد مهدي عباس ليضيف: "ولكن بعد ظهور التلفاز على مسرح الحياة أصبح محط اهتمام الناس بمختلف أعمارهم ومستوياتهم، فكان له الأثر الكبير على الأجيال المتلاحقة فيما بعد في نشر الوعي بين مختلف المجتمعات، فأسهم بشكل كبير في تلاقح الثقافات، وتقريب المسافات بين شعوب العالم، والاطلاع على عاداتهم وثقافاتهم المتنوعة، فأصبح ضرورة من ضرورات الحياة اليومية، إذ شغل الزاوية المميزة من كل بيت، لكن بسبب انجذاب المجتمعات البشرية، وتأثرها بالحداثة والتطور التكنولوجي، وظهور عالم الإنترنت وتكنولوجيا الرقميات، واقتحام الهاتف المحمول ميادين الحياة بمختلف تفاصيلها، أصبح هنالك منافس كبير له تمكن من توفير بدائل تستهوي المتلقي، لا سيما من فئة الشباب، وتجعلهم لا يكترثون لمشاهدة التلفاز، وذلك من خلال استخدامهم شبكة الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي المتنوعة".
وتابع عباس حديثه: "فتضاءلت نسبة مشاهدي الشاشة الكبيرة، وانشغل الناس بالمحمول، وما يوفره من نوافذ إعلامية وثقافية مختلفة، بالإضافة إلى استعمالاته المتعددة كاليوتيوب والفيس بوك والواتساب، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، لذا لعب الموبايل أدواراً متعددة في آن واحد، إذ تمكن خلالها من تقليل أهمية التلفاز، وانحسر دوره داخل الأسرة والمجتمع، كما هو الحال مع بعض الآلات التي كانت سائدة وكثيرة التداول في زمن ما، كالكاميرا وآلة التسجيل والصحافة الورقية التي انحسر دورها بشكل كبير، بسبب هيمنة جهاز الموبايل والإنترنت عليها، لكن بالوقت نفسه لا يمكن للمنازل الاستغناء عن مشاهدة التلفاز، إذ يبقى هو الضيف الدائم والمفضل لدى شرائح كثيرة من أبناء المجتمعات المختلفة، خاصة بعد ربطه بالإنترنت، وقيام الشركات المنتجة له بتزويده بالشاشة الذكية الرقمية ذات الاستخدامات المتنوعة، من أجل ديمومة بقائه كنافذة ثقافية مهمة اعتاد الناس على مشاهدتها والتمتع برؤيتها".