دور المرأة في فيلم {العراب} لماذا قد يُساء فهم أعظم أفلام السينما الأميركيَّة؟

استراحة 2022/04/17
...

 نيكولاس باربر
 ترجمة: حيدر ضياء الدين
 في الحقيقة ستجد العرّاب في قائمة "أفضل عشرة أفلام" لأي استطلاع رأي، هذه التحفة السينمائية لا تختص فقط بإظهار طبيعة الجرائم المنظمة وحسب، بل طرحت عدة أوجه نقدية حول الفساد السياسي والرأسمالية والهجرة، حتى الاشخاص غير المطلعين على الأفلام يمكنهم تمييز الصورة الأيقونية لمارلون براندو بملامحه الكئيبة وبحة صوته المميزة بشخصية زعيم المافيا "فيتو كورليوني"، وابنه المفضل "مايكل"، الذي لعب دوره آل باتشينو، الحوارات المميزة جعلت العديد من الناس يحفظونها عن ظهر قلب، لا تزال الاقتباسات التي لا تنسى تستخدم في البرامج التلفزيونية والأفلام الأخرى.
مع ذلك يواجه العرّاب اتهامات من بعض النقاد بتهميش الأدوار النسائية. فالناقد روجو ايبرت يقول"مدة الفيلم ثلاث ساعات، لكن هناك مساحة صغيرة للنساء"، وتمادى بعض النقاد إلى أبعد من ذلك حيث كتبت "مولي هاسكل" في صحيفة نيويورك تايمز عام 1997 أن "فيلم المخرج كوبولا يحط من قدر النساء ويقلل من قيمتهن بطريقة مبالغة"، لديهم وجهة نظر مقارنة بأفلام جريمة أخرى من  الفترة نفسها كان فيها للنساء أدوار بارزة.
بينما يقوم الدون فيتو وأبناؤه بعقد الصفقات والتخطيط لعمليات القتل او حتى عند القيام بصب المشروبات او تناول الوجبات السريعة، تترك نساؤهم في الخلفيات لمهمة الاعتناء بالاطفال. ومن بين العديد من القضايا التي يطرحها، يمكن رؤية الفيلم من زاوية ما انه يمثل شعور التسكع مع رفاقك او كما صاغها الناقد ديفيد طومسون "هناك شعور سعيد ومُرضي سيفهمه الرجال، لن يغفلوا عنه" يضيف طومسون "تدور مواضيع العرّاب حول العمل والتنظيم واتخاذ القرارات، قدمها في الصورة النمطية الاكثر بهجة عن طبيعة الذكور".
لكن ليس من الانصاف أن نقول إن الفيلم نفسه تعمد تجاهل النساء، حتى وإن كان الرجال في الفيلم يتجاهلوهن في كثير من الاحيان، في الواقع يواظب "كوبولا" على تذكيرنا باستمرار عن مواقع الشخصيات النسائية وماهو شعورهن، حتى أن كلمة الافتتاحية كانت عن فتاة تعرضت للتعنيف، اما مشهد الختام فهو لامرأتين تعترضان على نهج مايكل، في حين أن اكثر احداث عنف متعاقب ومثير للإزعاج كان من نصيب ابنة فيتو كورليوني الحامل "كوني"، التي كانت تجلد من قبل زوجها، وفي مشهد آخر عندما تحدث قطب هوليوود "جاك وولتز" عن فتاة تبحث عن النجومية ووصفها بأنها "شابة" و"بريئة" وأنها "كانت أعظم فتاة امتلكتها على الاطلاق"، يضع كوبولا إحدى الخادمات في خلفية المشهد، لتبدو مجبرة على الوقوف والاستماع الى صراخ "وولتز" المهين للنساء.
 
"العراب" أدانة للذكورية
اما بالنسبة لاهمال ذكور عائلة كورليوني لنسائهم فذلك لأن احداثه تدور في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، على العكس من أعمال اخرى ربما تكون هناك ممتعة جسدت المرأة في تلك الحقبة كعضو عصابة وفرد مؤثر، رفض كوبولا تصوير نساء منتصف القرن الماضي بمظهر الشخصية القاتلة، الذي ينتهز الفرص لسفك الدماء او تشكيل عصابات بنظام أمومي تكون فيه السيادة للأنثى، بدلا من ذلك أصرَّ المخرج على اظهارهن ضعيفات يدفعن جانبا من قبل شركائهن الذكوريين الغارقين في الملذات وحمام الدم. 
 العراب هو إدانة للشوفينية الذكورية وصرخة بوجه التمييز الجنسي، عندما تجتمع عائلات المافيا حول طاولة النقاشات، يبدو المنظر مشابها لصور الاجتماعات والمؤتمرات السياسية، التي يعقدها اليوم الساسة ومدراء الشركات.. في كونها للذكور حصرا.
يصور العراب الرجال وهم يحيكون المكائد، لكن هناك دورا حيويا للنساء في إبعاد الأنظار عن هذه المؤامرات، كما في افتتاحية الفيلم حيث يبدأ المشهد في بيت العائلة، وهناك حفل زفاف "كوني" ابنة الدون الذي لا ينفك عن مغادرة غرفة عملياته المعتمة يستقبل فيها المتضرعون أمامه لتلبية احتياجاتهم الملحة (يبدو انه تقليد صقلي عند حفلات الزفاف)، أما ما يكل المحارب القديم في الحرب العالمية الثانية، فقد أحضر صديقته "كاي" الى الحفل وأطلعها على أكثر اسرار العائلة غموضا، حتى أنه أصرَّ على أن تقف مع عائلته عند التقاط صورة الزفاف، لكن كان المسار الذي رسمه الفيلم هو أن يسبح في فلك آخر، بعيدا عن "كاي" متجها نحو عالم مظلم، يقول "ماريو بوزو" في روايته "ستصبح النساء قديسات في الجنة، بينما نحترق نحن الرجال في الجحيم"، ويبدو أن "كوبولا" يؤيد على ذلك. 
 
نهج كوبولا يرفع قدر النساء
بدت "كاي" مقتنعة بأنها ستكون جزءا من مؤسسة "كورليوني" الاجرامية، لكن النهاية الشهيرة للفيلم تظهر "مايكل" وهو يوصد باب مكتبه بوجهها المرتبك، ليتفرغ لشؤون التخطيط مع مساعديه على انفراد. لقد تمَّ عزلها عنه، تماما كما حدث مع زوجة "فيتو" طوال الفيلم، على ما يبدو هذا ما يعني كونك زعيم مافيا يجب قطع اي تأثير انثوي عنك.
يبدو أن "كوبولا" كان يبجل النساء ويرفعهن مقام القديسين، حقيقة انه لم يرسم نساء كورليوني كشخصيات سهلة الانقياد. وعموما، لم تتغاض اي منهن عن جرائم رجالهن، حتى أن "كوني" تمَّ إبعادها الى شقة في نيويورك. ويبدو الأمر كما لو أن كوبولا لا يتحمل فكرة احتمال كونهن متواطئات مع أفعال تصرفات الشائنة. لكن المؤكد أن "كوبولا" لم يحقر من دور المرأة بقدر ما يضعها في مكانة عالية.
 
عن موقع بي بي سي البريطاني