ابن الرومي.. الشاعر المظلوم

ثقافة 2019/03/19
...

حسين الصدر
 
 
- 1 -
لا نذيع سراً اذا قلنا :ان (ابن الرومي) - علي بن العباس – يتصدر قائمة الشعراء الكبار الذين سار شِعْرُهم في البلدان ، وملأ سمع الزمان ...
- 2 -
وعندي ان براعته وانسانيته وشاعريته تبرز جليّةً في قصائده الرثائية .
- 3 -
وقد اشتهر بين الناس أنه من أكبر شعراء الهجاء ، فهل كان ساخطا ناقما على مَنْ عاشره وعاصره؟
والجواب :ان الرجل كان على جانب كبير من الطِيبة. كان وادعاً ودوداً ولم يكن حقودا حسودا ...
وقد تقول : وما الدليل على ذلك ؟
نقول : اقرأ ما كتبه (ابن المسيّب) عن جميل مواقفه مع (ابن عمار العُزيري) لتجد صحة ما قلناه
قال ابن المسيب :« كان ابن الرومي يعمل الأشعار لابن عمار العزيري وينحله إياها يستعطف بها من يصحبه ، وكان ابن عمار فقيراً وقّاعةً في الأحرار ،
وكان ايام افتقاره كثير السخط لما تجري به الأقدار في آناء الليل والنهار حتى عرف بذلك ، فقال له ابن الرومي يوما : يا أبا العباس : قد سميتك بالعزيري ، 
قال له :وكيف وقعت لي على هذا الاسم ؟
قال :لانّ العُزير خاصَمَ ربَّه بأنْ أسال من دم بني اسرائيل على يد بختنصر سبعين الف دم ، فأوحى الله لئن لم تترك مجادلتي في قضائي لأمحونَّك من ديوان النبوة ... «
ولم يكتف بذلك – اي بصنع الأشعار وتقديمها الى ابن عمار لتكون وسيلة لاصطياد الاموال من ذوي الجاه والمال – بل سعى الى وصول المنح والصِلات الى ابن عمار وحضّ على ذلك .
كما هو الحال مع احمد بن محمد بن بشر المرثدي فقد كتب اليه قائلا: ولي لديكم صاحبٌ فاضلٌ 
أُحبُ أنْ يرعى وأنْ يصحبا 
وجاء في سيرته :
« صار محمد بن داود الجراح يوماً الى ابن الرومي مُسَلِماًعليه فصادف عنده ابا العباس أحمد بن محمد بن عمار .
وكان من الضيق والاملاق في النهاية ، 
وكان علي بن العباس (ابن الرومي) مغموماً به ،
فقال محمد بن داود لابن الرومي ولابي عثمان الناجم  لو صرتما اليّ وكثرتما بما عندي لأنِسَ بعضنا ببعض ، فأقبل ابن الرومي على محمد بن داود فقال أنا في بقية علّة ،
وأبو عثمان مشغول بخدمة صاحبه – يعني اسماعيل بن بلبل -، وهذا ابو العباس بن عمار له موضع من الرواية والأدب ، وهو على غاية الامتاع والايناس بمشاهدته ، وأنا احب أنْ تعرف مثله } 
وهذا يعني : انه قدّمه على نفسه ،ودفع محمد بن داود الجراح الى اصطفائه وإكرامه وإمداده بالهبات والصلات لينعش حاله .
وهذا غاية البر واللطف والبعد عن الانانية ...
لقد كان ابن الرومي محبّاً للخير ..
ساعيا الى أنْ يناله الظامئون الى مناهله ...
وحين قرّب (المعتضد) (محمد بن داود الجرّاح) وصيّرهُ كاتباً أغناه بها، « استخرج لابن عمار أقساطاً أغناه بها ، وأجرى عليه أيضاً من ماله »
وباختصار : كان (ابن الرومي) وليَّ نعمةِ (ابن عمار) ولكن الأخير جازاه جزاء سنّمار ..!!
حتى قيل عنه : « كان ينتقص ابن الرومي في حياته، ويُزري على شعره ، ويتعرض لهجائه ، فلما مات ابن الرومي عمل كتاباً في تفضيله ومختار شِعْرِهِوجلس يمليه على الناس «
هنا يظهر الفرق واضحاً بين (ابن الرومي) – الانسان- وبين (ابن عمار) الخارج على كل ما تقتضيه اللياقات والمواضعات الدينية والأخلاقية والاجتماعية والانسانية والأدبية ...
(وكل اناء بالذي فيه ينضحُ ) .
أرأيت كيف يكون اللوم ونكران الجميل ؟
ولماذا الذم والهجاء لابن الرومي في حياته ،والمسارعة الى تأليف كتاب خاص بعد وفاته للاعتراف بفضائله مواهبه ؟
ان هذا الانقلاب في الموقف يكشف عن حقارة ودناءة .
وكم من نظير (لابن عمار) في جحوده واعتسافه وانعدام حياته ووفائه في كل زمان ومكان ؟