المسرح العراقي .. حضور متحمس وتحجيم متعمد

ثقافة 2019/03/19
...

د.عواطف نعيم
 
 
لعل من أهم المهرجانات التي أقيمت في الوطن العربي في نهايات القرن العشرين هو (  مهرجان  بغداد للمسرح العربي ) والذي حين انطلق في العام 1985 فتح أبوابه أمام المسارح العربية أغلبها وأهمها وكان تعداد ضيوفه يشكل رقما كبيرا متجاوزا بذلك كل التجمعات الفنية التي تحدد وتقنن عدد المدعوين والمشاركين  فيها وكانت ميزانيته كبيرة في رقمها وعدد أصفاره  كما كانت البنى التحتية حينها متعددة ومتنوعة ومجهزة بأفضل العاملين من التقنيين وكذلك الاجهزة التقنية  وكان مسرح الرشيد من أهم المسارح التي استقبلت أغلب العروض العربية المشاركة والذي عد أفضل مسرح بالشرق الاوسط.
 وما زال أغلب الفنانين العرب يتذكرون هذا المهرجان الذي جمعهم في بيت أبي الفنون المسرح، ومن الفنانين الذين شاركوا بهذا المهرجان وبالذات من كان صغيرا وغير معروف وجاء بركب الفرق التي مثلت المسارح في هذا  البلد أو ذاك والبعض الاخر من كان يتصل ويطلب أضافة أسمه الى قائمة المدعوين ليكون من ضمن ضيوفه.
 هؤلاء الفنانون يتذكرون فخامة وأثر هذا المهرجان على خارط المشهد المسرحي العربي وحجم العروض واهميتها وطبيعة التنافس وحماسته لاسيما والعروض المقدمة كانت تخضع للمنافسة وقد تم اختيار لجنة تحكيمية لها من أسماء لقامات عربية مشهود لها بالكفاءة والرصانة وكانت أسماء اللجان النقدية المختارة لتقييم العروض تجمع خيرة نقاد المسرح العراقي والعربي  ،  ولكن متغيرات الحال لا تبقي الاشياء على ذات الحال دون تغيير فقد تغيرت الامور بعد الاعصار الذي مر على العراق ما بعد 2003 فقد ضاع ما ضاع وسلب ما سلب وتم تخريب الكثير من المعالم والصروح والفن التشكيلي العراقي والكثير من الاشرطة السينمائية والتلفازية والاذاعية وهناك من وجه بأتلافها وهناك من عمل على بيعها وهناك من ساوم 
لاجل أرجاعها.
تحولت المنجزات العراقية والنفائس والابداعات الى غنائم وسبايا وما فتحت عنوة أبواب المصارف والبيوتات الكبيرة أمام السارقين والناهبين والباحثين عن فرص الثراء والغنى فتحت الابواب أمام المخربين والطامعين والموتورين ليعيثوا في أرض العراق عبثا وتخريبا وتشويها واختلط الحابل بالنابل . سقطت أقنعة وبرزت أقنعة وكا أدعى وصلا بليلى وقد كانت ليلى في شدة السقم والذهول والفجيعة !! ما حل على الارض العراقية من عبث تجلى وأثر على الحركة الثقافية والفنية في العراق ، أذ لا يمكن أن يكون المسرح بعيدا عن كل هذه التجاذبات والصراعات وهو أبن البيئة والمتمثل لكل ما يمّور فيها .
 كان هناك من يسعى لأن يئد المسرح بوصفه وجها من أوجه الفساد والمجون كما يتصور هؤلاء  ، والبعض الاخر كان يسعى لاظهار وجه المسرح الاخر المتسربل بلباس الوعظ والتبشير بكل الافكار التي تكرس النهج الطائفي وتؤلب على الاخروتحرف حركة التأريخ ،  وبجانب هاتين المجموعتين كانت تقف المجموعة الثالثة وحيدة  تعمل بصمت وتأمل وهي  متشبثة بالامل في تأكيد وتكريس وجود المسرح التنويري و المعرفي الذي يثقف للتسامح والتعاون وروح المواطنة التي تحفظ المنجز وتدعم التحضر وتحصن ضد الجهالة ، الى جانب هؤلاء كان يقف المسرح الاخر الذي انشغل بالتجريب والتهويم  والنسخ من التجارب العالمية  الحداثوية بعيدا عن كل ما يدور حوله من مأسٍ وخراب وأفكار هدامة هناك من يسعى لغرسها داخل المنظومة الاجتماعية العراقية لغرض التفتيت والتفكيك والفرقة ، كان المسرح والعاملون فيه يعملون كلاً على ما يرى ويؤمن اختلافا أو أقترابا لكنهم يعملون !!!