تدوير النفايات.. طاقة وبيئة خضراء

ريبورتاج 2022/04/25
...

 قصي الطيب
 تصوير: نهاد العزاوي
نساء متلفعات بالسواد يكسو التراب ملامحهن، وصبية صغار يتوسدون عربات تجرها الخيول أو في دراجات الحمل (الستوتة) كما هو دارجٌ اسمها، فضلا عن سيارات حمل متوسطة وكبيرة، يجوبون أزقة وشوارع العاصمة بغداد، في مشهد صباحي متكرر، ويغرسون أياديهم وسط مكبّات النفايات ليستخرجوا ما يضمن بيعه لقاء مبالغ مالية زهيدة.
 
بينما يثرى مشترو هذه النفايات من خلال مكاتبهم المنتشرة في كل مكان، بعد كبسها وتخزينها ومن ثم بيعها إلى إقليم كردستان بمبالغ جيدة، وسط صمت حكومي مريب إزاء هذه الظاهرة الآخذة بالاتساع يوماً بعد آخر.
 
10 آلاف طن من النفايات
أمانة بغداد، تؤكد أن «ما يتم رفعه من نفايات يصل إلى نحو 10 آلاف طن، أي ما يعادل أضعاف ما كانت ترفعه كوادر البلديات منذ 18 سنة»، في الوقت الذي ترتفع نسبة الفقر في العراق إلى أكثر من 35% في عام 2021، حسب تقرير الأمم المتحدة ووزارة التخطيط العراقية، يأتي العراق في المركز الثاني بعد البحرين في الوطن العربي من الدول المهدرة للطعام (الطعام المُلقى في النفايات) بنسبة 120 كغم للفرد الواحد سنوياً، بمجموع 5 ملايين طن سنوياً!. وينتقد الخبير البيئي يحيى العاملي، الصمت الحكومي تجاه استفحال هذه الظاهرة المضرة بصحة الإنسان والبيئة، كما لم يخف امتعاضه من أداء أمانة بغداد عبر إهمال الكثير من بلدياتها لشوارع العاصمة المكتظة بأزبال ونفايات منتشرة في الجزرات الوسطية وفي باحات الشوارع، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية خطيرة، مطالباً الحكومة ببذل مجهود أكبر لمعالجة هذه الظاهرة عبر استغلال النفايات وتدويرها ومعالجتها لتغطية إنتاج الطاقة الكهربائية وغيرها الكثير كما هو معمول به في دول أوروبا والعالم، مشدداً على أن «المعايير الدولية في موضوع استثمار النفايات بمجال الطاقة تفرض أن تتجاوز حرارة التسخين في معامل تدوير النفايات الـ1200 درجة، حتى لا تكون هنالك انبعاثات ضارة صوب البيئة والإنسان». 
وتواجه بغداد، تحديات كبيرة على مستوى تقديم الخدمات والظروف الصالحة للعيش بعد أن وصل عدد ساكنيها إلى أكثر من 9 ملايين نسمة، إلا أن بناها التحتية ما زالت متهالكة، وبالرغم من حاجة العراق الماسة لمعالجة ملف النفايات واستغلالها في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، غير أن هذه المشاريع ما زالت تواجه عقبات كبيرة تعرقل تنفيذها.
 
ثروة كبيرة
وتبيّن مصادر إعلامية، أن « نحو 46% من نفايات العاصمة بغداد، هي مواد عضوية ويأتي بعدها الكارتون بنحو 14.5% ويليه البلاستيك والزجاج والمعادن»، وتلفت إلى أن «هذه النفايات ذات قيمة مالية عالية، إذ يبلغ معدل سعر الطن الواحد نحو 200 دولار، وهذا يعني إمكانية تحقيق عائدات يومية تقارب المليون دولار من خلال فرزها وتبويبها وفقاً لتقديرات حسابية»، مبينة أن «كمية النفايات التي تطرح من قبل المنازل في العاصمة بغداد تكفي لتوليد نحو 200 ميكا واط من الطاقة الكهربائية». ويبدي مواطنون استياءهم، بشأن إهمال هذا الملف المهم، فالنفايات في العراق تُعد ثروة كبيرة جداً، لكن للأسف لم تتم الاستفادة منها، بسبب حرقها أو دفنها بشكل خاطئ ولم تستثمر كما يجب، في وقت تعج فيه مناطق وأزقة العاصمة بغداد بالنفايات، نتيجة للقصور الحكومي في استغلال هذه الثروة أسوة بالدول الأخرى». محمد جبر من سكنة بغداد، تقطعت به السبل في إيجاد عمل ليعيل أسرته المكوّنة من أربعة أطفال، إلى أن وجد نفسه مضطراً للعمل عند أحد أصحاب هذه المكاتب، يقول «في يومي الأول بالعمل راقبت أعداداً كبيرة تفد إلى المكان، بعربات مختلفة محمّلة بأكوام  من النفايات، ثم يلقون بها على الأرض لتتشكل تلال منها»، ويضيف جبر، «عملي يقتصر على رمي النفايات بعد فرزها، من أوراق وكارتون مختلف الأحجام، في ماكنة كبيرة تقوم بكبسها بعد رشها بالماء ليسهل طيّها، لتصبح كتلة مربعة الشكل، وأقوم ومعي مجموعة من العمال لا يتجاوزن الأربعة أشخاص بإعدادها ونقلها في مركبة حمل كبيرة، وبعدها يتم بيعها على تجار في إقليم كردستان بمبالغ كبيرة، بينما نتقاضى من هذا العمل المضني نحو 15 ألف دينار».      
 
تحذير ووعيد
وتعتمد أمانة بغداد على موقعين للطمر يقعان عند منطقة النباعي شمال العاصمة، وتتم المعالجة في فرش النفايات على الأرض في المقالع المنتهية من الاستعمال، ومن ثم تغطيتها بطبقة ترابية نظيفة، كما أنها أنشأت عدداً من محطات كبس النفايات القادرة على استقبال 4 آلاف طن في جانبي الكرخ والرصافة ما بين عامي 2011 و2014، بغية التهيئة لإنشاء معامل التدوير، إلا أن احتلال عصابات داعش لبعض  المدن وانخفاض أسعار النفط دفع ذلك الملف إلى أدراج التهميش. وحذرت وزارة البيئة، عدداً من المستشفيات والعيادات والمختبرات الأهلية المخالفة للضوابط والشروط البيئية من خلال رميها للنفايات الطبية مع النفايات الاعتيادية والتي تؤثر سلباً في صحة المواطن»، وقال المدير العام لدائرة التوعية والإعلام البيئي أمير علي الحسون، إن «وزارة البيئة خاطبت وزارة البلديات وأمانة بغداد بتعميم كتب رسمية إلى كل الدوائر والمراكز البلدية المنتشرة في بغداد والمحافظات من أجل الإبلاغ عن أي نشاط صحي مخالف للتعليمات التي وضعتها وزارة البيئة والتي تلزمها بمعالجة النفايات الطبية بمحارق معتمدة»، موضحاً أن «نفايات المستشفيات تشكل خطراً على صحة المواطن لما تسببه من تلويث للمياه والتربة». وقال وزير البيئة جاسم الفلاحي، في لقاء صحفي مع وفد الصحافة الدولية الحرة FIP-UN، إن “البلديات قد فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة ملف النفايات، واستمرار إدارة ملف النفايات وتدويرها بيد الدوائر البلدية سيكون خطراً ستراتيجياً كبيراً، كون هذا الملف اليوم بات يولى اهتماماً كبيراً من دول العالم و جزءاً مهماً ضمن اقتصادياتها من خلال (تدوير النفايات ـ جمع وفرز) والتوجه الدولي لاستخدام الطاقات الصديقة للبيئة الخضراء هو توليد الطاقة من النفايات”.
ويضيف الفلاحي “عملنا ولمدة 3 سنوات عن طريق لجنة أمر ديواني مع (أمانة بغداد) ووصلنا إلى نتائج ممتازة جداً حول توليد الطاقة، وطرحنا هذا الملف للاستثمار، ولكننا للأسف الشديد، وجدنا أن هذا الملف ضاع في أدراج أمانة بغداد، وأجهض عمل هذه اللجنة”.
مستدركاً “الآن هناك توجيه من قبل السيد رئيس الوزراء لإعادة تفعيل عمل هذه اللجنة، خاصة بعد تقديم شركات من الصين والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وتركيا عروضاً مغرية جداً لجهة استثمار المخلفات والنفايات لإنتاج طاقة نظيفة ومتجددة”