ما الذي كان يُضحك قدماء الرومان؟

بانوراما 2022/05/10
...

 غيليرمو ألتاريس
 ترجمة وإعداد: ليندا أدور
ما فعله الرومان وما تركوه لنا من إنجازات واختراعات سواء كانت في {أنظمة الصرف الصحي والطب والتعليم والنظام العام والري والطرق ومنظومات المياه العذبة والصحة العامة}، فجميعها قد أسهمت في فهمنا وإدراكنا للمجتمع الروماني، لكن ماري بيرد أضافت شيئا آخر لكل ذلك.
 
في كتاب جديد، تحلل بيرد (67 عاماً)، الباحثة وأستاذة الكلاسيكيات لدى جامعة كامبريدج، كيف ساعد الضحك، أو بمعنى آخر الفكاهة والمزاح في فهمنا للمجتمع الروماني، فمن خلال كتابها الذي حمل عنوان "الضحك في روما القديمة: عن المزاح والدعابة والتنكيت"، تحاول بيرد تفسير ما الذي كان يضحك الرومان والكشف عن إذا ما كنا قد ورثنا روح الدعابة التي كانت لديهم، إلى جانب دراستها إذا ما كانت "النكات" يمكن أن تكون وسيلة لفهم مجتمع روما القديمة.  
 
نكات صامدة
يشير أحد الاستنتاجات التي توصلت إليها بيرد إلى أنه في الوقت الذي بدت لنا فيه بعض النكات سخيفة وباردة، كان العديد من النكات الأخرى المتداولة حينها لا تزال تحظى بشعبية حتى اليوم، فقد صمد بعضها، تماماً كصمود حجر الكولسيوم في روما أو حجر قناة سيغوفيا المائية بإسبانيا منذ ما يقارب ألفي عام، على سبيل المثال تقول إحدى النكات: "ذهب أحدهم إلى الحلاق فسأله: كيف تريد أن 
أقص شعرك؟ فأجابه الرجل: "بصمت"، بينما تقول أخرى: "التقى أغسطس، أول إمبراطور روماني  بشبيه له فسأله: "هل كانت والدتك تعمل في القصر؟، فأجابه الشبيه: لا، بل والدي"، وقد صدرت الكثير والكثير من النسخ عن هذه المزحة، التي يشاع بأنها كانت المفضلة لدى سيغموند فرويد.
ولأنه، ولحسن الحظ، لا يستخدم "البول" كعنصر رئيس في تنظيف الثياب، كما كان الحال في روما القديمة، فإنه من الصعب فهم بعض النكات الرومانية، إذ تقول إحداها: "شعر رجل شرير بامتلاء مثانته، لكنه رفض التبول، فمات"، والتفسير المنطقي لها تقول بيرد: "كان الرجل الشرير حريصاً على ألا يمنح، إلى أقصى حد ممكن، إدراره الثمين، مجاناً ، فكان أن انفجرت مثانته ومات".
بفضل بعض المؤرخين الكلاسيكيين مثل ديون كاسيو، ومن خلال بعض النكات القديمة التي بقيت إلى حد الآن، يخبرنا "فيلوجيلوس Philogelos " أو ما يعرف بـ "عاشق الضحك"، وهو أقدم كتاب يضم مجموعة من النكات التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي، بأن الرومان كانوا يضحكون من تساقط الشعر (أي الصلع) لكن ليس من فقدان البصر أو العمى، إذ (غالباً ما كان يوليوس قيصر مثاراً للسخرية من قبل منافسيه لمحاولته إخفاء صلعه بتسريح شعره إلى الأمام او وضع إكليل الغار بطريقة ذكية)، يشرح لنا فيلوجيلوس كيف إنهم كانوا يسخرون من عمليات الصلب والقتل البربري التي مارسوها، وبأن أباطرتهم مثل كومودوس أو كاليغولا كانت لديهم روح الدعابة السوداء، وقد قدم سوتونيوس، المؤرخ الروماني مثالا على ذلك بقوله أنه: "خلال إحدى الولائم الفخمة لكاليغولا، بدأ يقهقه، وعندما سئل عن ما الذي يدفعه للضحك، أجاب قائلا: ماذا تتوقعون؟ فبمجرد إشارة واحدة مني، يمكنني أن أقطع رأسيكما على الفور". 
 
الفكاهة والسلطة
تشير بيرد بالقول: "أعتقد بأن الفكاهة غالبا ما ترتبط، ولو جزئيا، بالسلطة والنفوذ"، مضيفة "يمكنك أن ترى وبشكل جلي أن النكات دائما ما تكون حول الإمبراطور، وقد لجأ الكثير من الأباطرة السيئين إلى النكات لإذلال الآخرين، مثل كاليغولا"، "في الوقت ذاته، كان الأباطرة الجيدون يستمتعون بنكاتهم الودية مع شعبهم، كما كانوا يتقبلون أي مزحة بالروحية ذاتها"، تقول بيرد مضيفة "مثلنا تماماً، استخدم الرومان الدعابة والفكاهة لتصنيف الغرباء، فعلى سبيل المثال، كان سكان أبديرا (Abdera)، وهو ميناء قديم في إسبانيا، يتمتعون بالغباء على نحو مسلٍ".
من بين القضايا التي طرحها مؤلف بيرد، الذي صدر في العام 2014, وصدرت نسخة عنه بالإسبانية حديثا، هو أن الفكاهة ساعدت في فهمنا للمجتمع الروماني، بالرغم من أن جزءاً من سكانه -العبيد، والنساء إلى حد ما- قد تم تجاهلهم والتغاضي عنهم، وهو في الوقت ذاته، مرآة يمكننا دراسة مجتمعنا من خلال النظر اليها.
لدى سؤال بيرد للمؤرخ الكلاسيكي، إيريك غروين، عن الفكاهة الرومانية، أجاب قائلا بأن المدهش فيها هو ليس في ندرتها، بل إنه قبل ألفي سنة، وفي عالم يختلف كليا عن عالمنا الآن، لا نزال نضحك على بعض النكات التي أضحكت الرومان".
تجيب بيرد عن سؤال، ما الذي يمكن أن نتعلمه من النكات الرومانية بقولها: "إن الأمر الذي يجعل ثقافات مختلفة تضحك، يأخذنا مباشرة إلى علاقتهم بالسلطة وعن مخاوفهم"، مضيفة: "غالبا ما كانت تشد انتباهي الطريقة التي ضحك فيها الرومان على الأسئلة التي تتعلق بالشخصية المغلوطة (أي كيف تعرف عن شخص من هو)، والتي لا تزال محورا مهما في بعض الأعمال الكوميدية"، مختتمة حديثها بالقول "يبدو أن الرومان وجدوا أن "الصلع" أمر يدعو للضحك، لكنهم ظنوا أنه من القسوة السخرية من شخص كفيف".
 
*صحيفة الباييس الإسبانية