قاسم موزان
معظم شوارعنا في بغداد زاخرة بالمحال التجارية والمكتبات والمقاهي والأزياء، بإضاءاتها البرّاقة وجمال معروضاتها السلعية الأنيقة التي تستقطب الأنظار بوصفها ظاهرة حضارية تعكس مديات التطور، إلا أن ما يتستر وراءها يتناقض تماماً مع الواجهات الجميلة، حيث الأزقة الضيقة والبيوت المتهالكة التي تقاوم الزمن بعناد وقد تحول بعضها إلى خرائب مهملة تعبث بها الحيوانات السائبة، وفي الوقت نفسه تفتقر إلى أبسط الشروط الصحية في مواجهة الأمراض نتيجة لانتشار
الفيروسات وخصوصاً في ظروف تفشي وباء كورونا القاتل واشتراطات الحظر الذي اضطر السكان إلى لزم منازلهم والتباعد المكاني، وهذا ينطبق على الكثير من الأحياءالشعبية، التي تتسم بانفجار سكاني لافت، ولعل منطقة جديد حسن باشا الواقعة في الحيدرخانة أنموذج صريح لهذا الخراب، هذه المنطقة كانت قبل سنوات عديدة صالحة للسكن، إذ إنها كانت تمثل أحياء بغداد القديمة في بنائها التراثي
البغدادي.
ثم اندثرت تلك البيوت وأصبحت أطلالاً مهملة أو أثراً بعد عين وما بقي منها، فهو في النزع الأخير من البقاء، وتزايدت على نحو مقلق كميات النفايات التي يصعب وصول آليات أمانة بغداد إليها، إلا بجهود المواطن نفسه لإخراجها من مكامنها الدفينة، فالأزقة ملتوية مثل التواء الأمعاء وعادة ما تتجمع برك المياه والمياه الآسنة جرّاء طفح المجاري واختناقها، وفي الوقت الحاضر وقبله تحولت البيوت إلى مطابع أهلية بعد إعادة تأهيلها لتكون صالحة للعمل، ولكن تبقى البيئة ملوثة وتحتاج إلى جهود كثيفة من أجل تنقيتها مما ترسب من مخلفات الأزمنة المتعاقبة من إهمال
وتقصير.
والسعي إلى إحداث تغييرات جوهرية فيها وشمولها بتخطيط منصف لا يلغي وجودها تماماً، بل تغييرات نوعية للحفاظ على أصالتها وإبراز وجهها الناصع، لأنها كانت في سنين غابرة بيوتاً لرجالات الحكم الوطني في العراق، لا بدَّ من إيلاء أهمية جادة لها لكونها تتصل بشكل أو آخر بشارع المتنبي الذي شمله التجديد والتحديث في الآونة الأخيرة، وأصبح صورة ناصعة البياض أكثر من السابق، إذ يتوافد إليه الزوار العرب والأجانب، فمن الأهمية بمكان أن تكون المناطق المحيطة تليق بشارع
الثقافة.