سهى الطائي
كثرت حالات التفريق في مجتمعنا في الآونة الأخيرة، وحين نُسلّط الضوء لندرك السبب في تزايد الطلاق نجد أنَّ هناك عدة أسباب أدت الى انتهاء الحياة الزوجيَّة ومن ضمن هذه الأسباب نضع اليوم صفة "النرجسي "للزوج أو الزوجة مع أنني أجدها في الرجال أكثر من النساء، والذي لمسته من خلال مشاهداتي واطلاعي على كثير من الحالات إضافة لحديثي المباشر مع من مرَّ بالمشكلة ذاتها في ارتباطه بزوج أو زوجة تحمل صفة النرجسية والتي أدت الى فقدان الأمان وانعدام الثقة وتوتر العلاقة بين الزوجين.
يمكننا أن نُعرف النرجسية على أنها اضطرابٌ في الشخصيَّة؛ فالشخصية النرجسيَّة أحد الأنواع المتعددة لاضطرابات الشخصية وهي حالة نفسية يتملّك "المريض"بها شعورٌ مبالَغٌ فيه بأهميته فضلاً عن حاجة عميقة إلى زيادة الاهتمام والإعجاب، ولفت الانتباه والغرور واضطراب العلاقات، وانعدام التعاطف مع الآخرين. ولكنْ خلف هذا القناع الذي يرتديه من الثقة المبالَغ فيها، تكمن ثقة هشة جداً بالنفس تجعله عرضةً لأقل قدر ممكن من الانتقاد.
إنَّ الإفراط بحب الذات والإعجاب الخارجي بها يصيب مريض النرجسية باضطراب في التصرفات وعدم القدرة في التواصل الجيد مع الآخرين من خلال بناء الأواصر الاجتماعية مع أقرب الناس له، بينما يُعرضه دوماً للسقوط في نظر الكثيرين ممن حوله، فإنْ ابتلاكِ الله بزوج أو ابتلاكَ الله بزوجة بمثل هذه الصفة لا تحزن على فراقه فمواثيق الارتباط الإلهي بين الزوج والزوجة تحث على أنْ تكونا نفساً واحدة بجسدين. يقول الله سبحانه وتعالى "وخلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها" ويأتي هنا معنى السكن بأنَّ الزوجة خُلقت من ضلع آدم، ومعناها أيضاً (لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضاً بحكم التجانس في البشريَّة).
وقوله تعالى {وجعل بينكم مودة}: أي محبة ورحمة أي شفقة بين الزوجين، وقد تكون العلاقة للنرجسي ولكلا الجنسين مضمونها بعيدٌ كُل البعد عن هذه الصفات والتشبيه القرآني، فنجد على سبيل المثال زوجاً يحطُّ دائماً من قدر زوجته ويحاول جاهداً أنْ يُصغرها في عيون الناس ولا يمسك إلا أخطاءها ويكرر قول سلبياتها بدل أنْ يُقومها، تُعجبه نفسه كثيراً ويَمنُّ بارتباطه بالزواج من زوجته والعكس؛ محاولاً رفع شأنه في ذلك ونسف الآخرين ولا يكتفي في ذلك بل يقوم بتحقير زوجه في أعين أهله، لا يتحدث عن شريكته إلا بالسوء ولا يسلط الضوء إلا على زلاتها ويقنع جميع من يستمع له بأنها لا تستحق شخصه ولا تدرك وتصل لمكانته العالية الرفيعة! التي رسمها في مُخيلته، ولا يقف عند هذا بل يستصغر أهل زوجته ويسعى للتقليل من شأنهم وإنْ كانوا أكبر مكانةً اجتماعية من
أهله.
فإذا انطبقت كل تلك المواصفات على شريككِ أو شريكتكَ فاهرب بجلدك غير آسفٍ، فمعاشرة هذه الشخصية قد تؤدي بك أو بكِ الى الجنون، وأرى أنَّ الشخصية النرجسيَّة أخطر شخصيَّة على وجه الكون يقلل الثقة للآخر ويزعزع الإيمان بالنفس يحب ذاته أكثر من أي شيء، فهذه الشخصية غالباً تحمل الكثير من الأنانية والعقد النفسيَّة ويمارس أسلوب السيطرة وعزل الضحية عن العالم ويكون دائم الانتقاد يضع من مكانة المُقابل ويشعره بالإهانة
غالباً.