أحياناً يكتب النواب بطريقة مباشرة, لا سيما حين يكون الموضوع مرتبطاً بالمشاعر الوجدانية للناس, أو بقضية من قضايا الوطن المهمة, وهذه الكتابات تجد صداها الواسع في الوجدان الجماهيري الملتهب بالحماس والاندفاع والطموح والتغيير والثورة:
(بيه ونين ما ونه كبل مذبوح/ صبر اكبور بومه تموت بومه تنوح/ وحشه وضلع يسحن ضلع فوك الروح/ واسري بليل اضم اجروح حدر اجروح).
وفي أغلب هذه القصائد ثمة تداخلٌ واضحٌ بين الهم العاطفي وبين الحس الوطني الأصيل, وكثيراً ما تغنى الشاعر بالأفكار الإنسانيَّة المنيرة وبالأبطال الذين قدموا أنفسهم قرباناً على طريق الحرية والعدالة والحق
والمساواة:
(اسمك يملثم بالموزر/ والغاره اتكودك للغاره/ للبيرغ وايدي اعلى الصفنه/ لو كامت ريح اتطك ناره/ صفين الدك ابعضدينك/ شطين اتزت العباره).
محققاً ما يريد من الأغراض السياسيَّة الصعبة بتحدي الأنظمة الحاكمة والحلم بإسقاط عروشها الخاوية, وكانت هذه الأشعار تنتشر بسرعة مذهلة وتكتب باليد وتوزع بين عشاق الكلمة المتمردة:
(وعيونك كحله بلا هدنه/ وريجك طعم خيار الشاطي/ ورمشك مزنه/ وينشكلك طعم الزهريه/ امن تشوفك منك منسيه). يكون بما يشبه الاحتفال أو المهرجان في أيام إصدارها السري وهي مكتوبة بالحبر أو بقلم الرصاص وبأوراق بيضاء أو ملونة, وبمفردات يتعاطى معها أهل الجنوب بشكلٍ متواصلٍ مع بعض الكلمات البغداديَّة المتسللة من العقل الباطن واللاشعور, الى تلك اللهجة الغنية بالدلالات:
(يجي يوم انلم حزن الايام/ وثياب الصبر ونرد لهلنه/ يجي يوم/ الدرب يمشي بكيفه ياخذنه الوطنه/ يجي يوم نفرك الغربه/ على العالم املبس/ وبالحزن طاسات
حنه).
حدث وطني
لم يكتب النواب عن المناسبات الوطنيَّة العامَّة, سواء كانت حزبيَّة الطابع, أو الخاصة بأحداث البلاد المشرفة, بل كانت معظم نتاجاته الأدبيَّة تدور حول الوجع الوطني الشامل الذي يرتقي به من خلال الكتابة الى مصافي
الاسطورة:
(مامش خوي/ ومامش للرمل من ساس/ مذلوله بزوية البيت/ لا زمر اليكعد الروح/ ولا دلال التشيل الراس/ جا وين المعكل واليعافي الخبزه بالنوماس).
ولم يكن الشعر لديه متعة عابرة أو لذة تمنحه الراحة والهدوء والاسترخاء, أو عالماً مفتوحاً على الأجواء المشمسة أو جرعات من الهواء النقي يتنفسها عند الضرورة, أو قدرة على الإنجاز والممارسة, بل هو موقف من العالم بأكمله:
(طارت غاكه مكسورة جنح بالزور/ يا حجام ياحجام/ فزت كبله البرنو لكطهه بساع/ يالوحدج شريفه وبيت الظيم بزمرهه/ وخطن العينين سجة غيظ فوك الماي/ دوب الصوت ما ينسمع/ واتكوفر غضب حجام).
باب التجديد
النواب أول من فتح باب التجديد لرياح الشعر القادمة من كل الجهات, داخلاً بقوة الى ساحة القصيدة القديمة المسورة بالخوف والممنوع والثبات والطاعة والقداسة، كاسراً شوكة المهابة الأبوية الصارمة, وداعياً الجميع الى حفلة عرس الأشعار التي تتلاقح فيها الإيقاعات والأفكار والألوان والموسيقى والتجارب من دون الحاجة الى تزكية باطلة أو الحصول على جواز سفر مزور للعبور الى الجهة البعيدة:
(زفت شناشيل مرت بالعكد/ والدف يرشرش فرح والدشداشه كمره/ وكليبج كليجة تمر/ والحنه تركضلج اكبالج/ تفرش السجاده خضره/ لمينه الوكت حجرة عرس/ والنومه يمج دفو حضره).
طبيعة
اتخذ النواب من الطبيعة صديقاً وفياً له, بعد أنْ عاش حالات طويلة من الانقطاع بلا وطن يسامره ولا أصحاب, وهذ الشيء واضحٌ في قصيدته الملأى بالأشجار والورود والأنهار والطيور والبساتين:
(ترافه وليل ودك ريحان/ يسمر لا تواخذنه/ يمن كل دكه من حسنك/ شتل ريحان للجنه/ ليالي ودك نحر حدار/ واحنه الشوك ناحرنه/ تحنن دوس فوك الروح/ واحسبها علي منه/ اطكن ورد من تجزي/ والف نمام يتحنه). فهو يعامل هذه المفردات الضاجة بالحياة والخصوبة والعطاء, بحسب حاجته النفسيَّة إليها, فتارة تأتي غزليَّة طافحة بالرقة والانوثة والجمال, وتارة تكون سياسيَّة يابسة الروح رغم ما تحتويه من العذوبة والماء والطلاقة, وأكثر المرات يعاملها بعين الرسام الماهر الخبير:
(وصفولي عنك وردة القداح/ ريش جناح/ زاهي بالسحر/ وصفولي عنك/ شال منك غيظ بستان الورد/ والنرجس الرايج سكر).
أشياء غامضة
جملة النواب الشعريَّة واضحة وغير مبهمة, لكنه يقول الكثير من الأشياء الغامضة، في هذا الوضوح السحري الشبيه للحكايا الأسطورية الغابرة, وما تحمل من المفاجآت والألغاز والآفاق والأوهام والصعوبة:
(ما لكيتوا الدم على امعرسين وظلوف الغزاله/ السارحه وي الجزيره/ حمد راح بليل/ ما داوو هله اجروحه الجثيره/ ون ونين التيل المكهرب من هله/ وعاشر الكارور وبشوش السحر/ والكبره السمره الزغيره). هذه الجملة النافرة عن السياق لها أكثر من دلالة واحدة وهي غنية بالأحداث والأسرار والتاريخ والعشق والطاقة والاستدلال والالتماع والكثافة الصورية وصياغات البناء القائم على الاستعارة والانزياح والمفارقة والصدمة:
(حتى الكصب شب بعكد/ بوسه تشب من بوسه/ حسهه شدهني وخاف كلبي ولذت بالجاموسه/ جا هذي عملات العشك/ عمري واكلك دوسه/ موش انت صوجك يا شهم/ دهرك وكع ناموسه).