كاظم الحسن
تعدَّ البلاغة السياسيَّة هي الأصل، في الخطابات السياسيَّة، وهي تتقمص الاستعارات اللغوية كوسيلة في الاقناع واكتساب الشرعيَّة السياسيَّة، واللغة العربية واحدة من تلك اللغات، إذا أخذنا عصر ما قبل الإسلام، الذي تميز بقوة التعبير وخلاصته وبلا شك، أن القرآن له الحيز الأكبر في هذه البلاغة.
هذا الكتاب الذي عنوانه " المجاز السياسي" يتناول مفهوم البلاغة في جانبه السياسي الصادر عن سلسلة كتب عالم المعرفة الكويتية، تأليف الباحث المصري في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، وكما يصفه "أنه يتناول أهم المجازات السياسية المتداولة وشرح جوانبها المتمثلة في الخطب الرنانة، واستدعاء الشعر السياسي، وتوظيف أفعل التفضيل والتحريض على التطرف والتعصب وترميز الحكام" .
كما تناول بلاغة الصورة وتعامل معها باعتبارها نصا سياسيا، لا سيما في مجالات الصورالجمالية، وصور الأفكار والصور الذهنية بمساراتها المتشابهة والمتصارعة والمتعددة.
المجاز هو "استعمال اللفظ في غير ما وضع له اصلا، اي نقله من دلالته المعجمية الأصلية أو الوضعية أوالحقيقية، إلى دلالة مجازيَّة أواصطلاحية، على ان تكون هناك مناسبة بين الدلالتين "، كما يجب الأخذ بالاعتبار أن المجاز ينطوي على المفارقة والمحاكاة الساخرة.
ويعدد ابن قتيبة جوانب المجاز لتشمل "الاستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والكناية والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، والجميع خطاب
واحد".
وفي نظر ابن الأثير فإن المجاز هو "ما أريد به غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة، وهو مأخوذ من جاز هذا الموضع الى هذا الموضع اذا تخطاه اليه".
وقد لعب المعتزلة دورا بارزا في إيضاح مفهوم المجاز من خلال سعيهم الدائب لنفي التصورات الشعبية عن الذات الإلهية وعن أفعالها، أما المتصوفة "فإن الكون بالنسبة لهم أن الكون هو كتاب رموز ومستودع إشارات ومسرح دلائل، كلها تشير الى الحق المحبوب، وهو الله بديع السماوات والأرض، اذ هو الظاهر والباطن، الجلي والخفي، المرئي واللا مرئي".
وينظر الصوفي الى نفسه على انه كيان مجازٍ لا وجود له إلا بوصفه محباً. وفي الخطاب الرسمي الشفاهي تفضل الجماعة أن تردد عبارات مركبة، مشحونة بالصور والسمات والصفات والمجازات، فيقول الخطيب "الجندي الشجاع "، بدلا من الجندي و" الملك المفدى " بدلا من الملك، والبعض يستخدم الرسم بالكلمات في التشهير السياسي في الدول التي تحكمها أنظمة مستبدة او شمولية من قبيل "عدو الشعب" و"تجار الحرب من الرأسماليين"، وقد تكون استعارات الحرب الكلمة والبارود هي الأخطر، كما وصفها نصر بن سيار حين قال إن "الحرب أولها
كلام".
كما أن تساؤل مشيل فوكو كن مبررا حين قال: هل ينبغي قلب العبارة التي تقول إن "الحرب سياسة لا تستعمل وسائل السياسة".
مسرد بأهم المجازات السياسية
ادارة التوحش: استعارة تسحب قانون الغاب على الحياة الانسانية.
أرض الميعاد: تعبير زمكاني مستمد من النصوص والثقافةاليهودية، آمن به اليهود في سعيهم عبر التاريخ الى السيطرة على ارض فلسطين، باعتباره المكان الذي وعدهم الرب به.
الاغتيال المعنوي:هو قتل شخص سياسيا عبر نشر شائعات عنه، تنطوي على قصص مختلفة واخبار مكذوبة وصور مشوهة.
انتصار الدم على السيف: تعبير مجازٍ يستخدمه مقاومون ليس لديهم ما لعدوهم من مكنة وقدرة، لكنهم يتمكنون باصرارهم على الكفاح من تحقيق الغلبة في النهاية.
بوتقة المجتمع: هو انصهار أشتات الناس في مجتمع ما بعد دمجهم .
تشريع على بياض: وهو عبارة عن صياغة مبهمة لتشريع ما، تجعلها قابلة لتأويلات مختلفة وتلاعب مفتوح، ما يتيح للسلطة أو الادارة إساءة استعماله على نطاق
واسع .