تنتشر في كل ركن من أركان البلاد تقريباً، ملايين الألغام الأرضية المدفونة في المزارع والطرق والحقول، إلى حد أنه بإمكانك القول (لغم لكل مواطن عراقي)، وبديهياً سببها الحروب والصراعات المحتدمة منذ عقود خلت، التي خلفت وراءها حقول ألغام واسعة وذخائر عنقودية غير منفجرة.
ولا يزال إنشاء بيئة مستقرة وآمنة في العراق يقوضه وجود الذخائر المتفجرة، لا سيما في المجتمعات السكنية والريفية. وعلى الرغم من أن العراق لم يعان من صراعات مفتوحة في السنوات الماضية، فإن آثار الأسلحة المتفجرة سيتردد صداها لسنوات مقبلة، فلا تزال الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة أو المتروكة او ما يسمى بـ(مخلفات الحرب) تتسبب في الوفيات والإصابات في جميع أنحاء البلاد.
العراق الأكثر تلوثاً
ووفقاً لمراجعة الإجراءات المتعلقة بالألغام العام الماضي، فإن العراق هو البلد الأكثر تلوثاً في العالم من حيث مساحة المنطقة الملغومة، ورابع أكثر الدول تلوثاً من حيث التلوث بالذخائر العنقودية. أدت الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينيات، وحرب الخليج في عام 1991، وغزو العراق عام 2003، والصراعات الداخلية، إلى تناثر ملايين الذخائر المتفجرة في العراق، بما في ذلك الذخائر العنقودية غير المنفجرة والألغام الأرضية، وتم العثور على غالبية التلوث بالذخائر العنقودية في المنطقة الجنوبية من العراق، بينما توجد الألغام الأرضية التقليدية في الغالب على طول الحدود مع إيران. وتفاقم التلوث الواسع بالفعل بسبب الصراع مع داعش من 2014 إلى 2017، إذ تركت عصابات داعش كميات هائلة من الألغام الأرضية والعبوات الناسفة في شمال ووسط العراق.
4 ملايين عراقي
تركت عقود من الحرب والنزاع، العراق في مواجهة احتياجات إنسانية ماسة تهدد بمزيد من زعزعة استقرار البلاد، وأثر الصراع المستمر والركود الاقتصادي في كل جانب من جوانب المجتمع العراقي تقريباً، ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، هناك 4.1 مليون عراقي بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، تصنّف العراق على أنه أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام. ففي كل عام يفقد عشرات العراقيين حياتهم بسبب انفجار ألغام وأنقاض عسكرية، في حين أن نحو 8.5 مليون من أصل 41 مليون عراقي، يعيشون تحت هذا التهديد، بحسب بيانات خدمة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام.
وعلى الرغم من قتل أو تشويه نحو 519 طفلاً خلال السنوات الخمس الماضية في العراق بسبب الذخائر المتفجرة، تشيد اليونيسيف ودائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، بالجهود الدولية لتقديم إعلان سياسي لضمان حماية المدنيين من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.
أكثر من 80 بالمئة من الأطفال المصابين هم من الذكور. ويتأثر الأولاد بشكل غير متناسب بسبب حوادث عمالة الأطفال، مثل رعي الحيوانات أو جمع الخردة المعدنية لبيعها، الأطفال معرضون للخطر بشكل خاص، وينجذبون إلى البقايا بسبب مظهرها الملون غير مدركين لمدى خطورتها، وبعض هذه الأسلحة عبارة عن أدوات منزلية مألوفة تم تحويلها إلى متفجرات.
مخلفات داعش
وعند سيطرة عصابات داعش على ثلث مساحة البلاد، لم يكن وصول أعمال التطهير لهذه المقذوفات سهلاً، فضلاً عن الذي صنعها بنفسه كما يقول، بول ماكان، مدير الاتصالات في (Halo Trust)، وهي منظمة خيرية تعمل على إزالة الألغام والحطام المتفجر، "إن العراقيين كانوا يزيلون الألغام من أراضيهم منذ عقود، لكن كان هناك نقص في أعمال التطهير في الأماكن التي سيطرت عليها داعش"، وأشار ماكان إلى أن "نوع الألغام التي صنعتها داعش تميل إلى أن تكون حاوية زيت طهي بلاستيكية سعة 20 لتراً (5.2 غالون) مملوءة بالمتفجرات محلية الصنع، ومفجر، وبطارية ومفتاح"، "والمفتاح هو شيء يمكن للناس الوقوف عليه أو القيادة فوقه والذي يسبب الانفجار."
وكان آخرها استخدام داعش المتفشي على نطاق صناعي للأجهزة المتفجرة المرتجلة، ولم تزل العديد من قذائف الهاون والمدفعية غير المنفلقة وسط الأنقاض، بسبب عمليات التحرير التي قادتها القوات الحكومية".
وبحسب مختصين، فإن عملية تنظيف حقل ألغام واحد، تستغرق شهوراً، فلذلك نحتاج لسنوات طويلة جداً، حتى نتمكن من رفعها بشكل نهائي، بينما يحدد وزير البيئة جاسم الفلاحي الانتهاء من حقول الألغام التي خلفتها داعش بحلول نهاية عام 2028.
انتهت الحرب ولكن!
يقول أحمد عباس، عامل إغاثة في إحدى الجمعيات الخيرية "التلوث بالألغام الأرضية ليس السبب الوحيد الذي يجعل العراقيين مترددين في العودة إلى ديارهم".
وتابع: "على سبيل المثال، تندلع أحياناً اشتباكات بين الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل داعش، سواء في المناطق الكردية أو في باقي أنحاء العراق، ما يعرض حياة المدنيين للخطر"، مستطرداً "يشعر الناس في بعض الأحيان أنه ليس لديهم ما يعودون إليه بعد أن شاهدوا المنازل والمدارس والمستشفيات وقد سويت بالأرض".
بينما أفادت دائرة شؤون الألغام العراقية، بأن حجم التلوث الكلي في العراق يبلغ نحو 5994 كيلو متراً مربعاً، تم تنظيف نحو أكثر من 50% منه، مشيرة إلى أن غالبية الألغام مزروعة على الحدود الشرقية للعراق.
وبحسب مرصد الألغام الأرضية (لاند مين مونتور)، فإن العراق يُعد من أكثر دول العالم تلوثاً من حيث مساحة المنطقة الملغومة، إضافة إلى التلوث بالذخائر العنقودية ومخلفات حربية أخرى.
أما الحكومات المتعاقبة التي حكمت البلاد، فحاولت ببرنامج أعدته منذ 2004، إزالة الألغام، إلا أنها تسير بوتيرة بطيئة، بالرغم من المنح المقدمة من منظمات دولية لإزالة القنابل، لكنها غير كافية، نظراً للمساحات الشاسعة التي تحتضن هذه المقذوفات والقنابل، إذ إن الأراضي الملغمة والملوثة بالعبوات الناسفة تصل إلى أكثر من 6000 كيلو متر، بحسب المكلف بإدارة وزارة البيئة جاسم الفلاحي، الذي أقرَّ بأن العراق من أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام، وأن ضحاياه تزداد بوتيرة متصاعدة.
ولفت إلى أن "الوزارة تبذل جهوداً كبيرة من خلال دائرة شؤون الألغام، لإنجاح هذا البرنامج لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وإعادة النازحين إلى أماكنهم وإعادة تأهيل وإعمار المناطق المحررة وتشجيع الاستثمار خصوصاً في المناطق النفطية، والذي يتطلب أن تكون الأرض نظيفة وخالية من الألغام والعبوات".