شعراء (السيد المحافظ)

ثقافة شعبية 2022/06/08
...

كاظم غيلان 
لربما تعطينا علاقة الشاعر بالسلطة أمثلة لا تحصى في نهاياتها المضحكة، تعود جميع أسبابها لذلك الاختلال الواضح في طرفي المعادلة، فالسلطة أي سلطة كانت هويتها واتجاهاتها لا يمكن بأي حال أن تتعامل مع الشاعر في تقربه منها إلا بصفته شحاذاً يجيد المواء قرب موائدها، ولم يخطر ببالها لحظة أن يشكل مصدر قلق أو انزعاج طالما يقدم خدماته لمقامها، ولعل من بين أبرز تقييمات شعراء السلطة تلك التي تنطلق من رضا رموزها، فإن انزعج الحاكم من شاعر لا بد أن يوصف بالرداءة وإن أبدى ارتياحه وتصفيقه له فتجده موصوفاً 
بالإبداع.
هنا أتذكر في بداية العام 2001 انعقد مهرجان شعري بمدينة الديوانية، ورحنا نقنع الشاعر الراحل علي الشباني بضرورة مشاركته، لا سيما أنه في انقطاع لافت عن المشاركة بالفعاليات الشعرية تبعاً لموقفه الواضح والمعروف في معارضته للنظام آنذاك، فما كان منه إلا أن استجاب فشارك بقصيدته (الحلم.. هاشم والتراب) التي رثى بها صديقه وقريبه الفنان هاشم لفتة الذي هرسته الحرب شأن الآلاف من شباب العراق. القصيدة كان لها وقع خارج السائد الشعري الصاخب بامتداح رئيس النظام وبطولاته الكارتونية التي تفنن به شعراء السلطة وذيول ثقافة عنفها الذين أرسوا قيم الحقد والعدوانية في 
خطابهم.
أثناء قراءة الشباني للقصيدة راح (السيد المحافظ) يغط في نوم عميق وهو يتصدر الصف الأول من الحضور بين (الرفاق) المسؤولين الحزبيين والإداريين بالمحافظة، فكانت (نومة) هذا المحافظ البليد مصدر انزعاج لمعظم شعراء السلطة المشاركين في ذلك المهرجان، حتى بات تفاعل المحافظ من عدمه معيارا نقديا 
للشعر!.
رحت أسمع كلمات جارحة بحق الشباني وانتقاصاً من تجربته الشعرية العظيمة والتي عدت من التجارب البارزة بعد التجربة النوابية الرائدة وكأن (نومة) المحافظ بيان نقدي لتلك الفعالية.
ثقافة شاعر السلطة مستمدة من ثقافتها التي تشكل قطيعة واضحة مع جوهر الشعر وقضاياه، ولذا تجد أن قضية انسجامك معها بحكم المستحيل، لأنه يمثل كامل التخلي عن جمال روحك وإنسانيتك، فهكذا انسجام يعني إعلان اصطفافك مع قطيع متعطش للخراب والدمار ولربما لا تستطيع قراءة قصيدة بمهرجاناتها إلا بعد اتقانك للصراخ بأعلى ما في صوتك من طبقات.
انتهى المهرجان، وانتهى المحافظ ونظامه، لكن علي الشباني هو الوحيد الذي بقي يضيء ذاكرة الشعر والوجدان، أما شعراء (السيد المحافظ) فلربما استبدل بعضهم جلدته، إذ الامر ليس بالمستغرب لمن يجيد فن الشحاذة 
وطرقها.