غفران حداد
يعد عبد الفتاح القصري (1905 - 1964) أحد عمالقة الكوميديا في السينما العربيَّة، بدأ مشواره الفني من خلال المسرح وسرعان ما فتحت له أبوابُ الشهرة وانطلق في عالم السينما، أعطته قامته القصيرة وطريقته الخاصة في الكلام والحَوَل الذي أصاب إحدى عينيه، نكهة مميزة جعلت منه علامة بارزة في الكوميديا المصريَّة.
أول المشوار
كانت بداياته الفنيَّة مع فرقة عبد الرحمن رشدي ثم فرقة عزيز عبد، ليعمل في ما بعد مع الفنان نجيب الريحاني عام 1926، لينتقل بعدها للعمل في فرقة إسماعيل ياسين عام 1954، وكان فيلم (المعلم بحبح) أول أفلامه السينمائيَّة عام 1935 لتتوالى نجاحات أدواره الثانويَّة في أفلام مثل (أبو ظريف، 1936)، (مبروك، 1937), (شيء من لا شيء، 1938), (حياة الظلام، 1940) واستمر في تقديم الأفلام خلال مسيرته الفنيَّة بأكثر من 60 فيلماً.
أفيهات القصري
رغم أنَّه لم يسجل اسم القصري على صدارة الأفيش ولم يلعب يوماً البطولة المطلقة، لكنَّ تلقائيته البسيطة وتقمصه للدور الفني جعلاً منه نجماً يخطف الأضواء من بطل الفيلم نفسه، ليصبح القصري صاحب أشهر أفيهات الكوميديا المصريَّة نذكر منها (يا صفايح الزبدة السايحة يا براميل القشطة النايحة) من فيلم "لو كنت غني" الذي قام ببطولته بشارة وكيم، وثريا حلمي، كذلك الأفيه (جاتك روماتيزم في كوارع اللي خلفوكي) من فيلم "مليون حته" مع شكري سرحان ونعيمة عاكف.
كان القصري ابن الذوات الأرستقراطيَّة المتقن للغة الفرنسيَّة، ينتمي لأسرة ثريَّة جداً تعمل في تجارة الذهب ودرس في مدرسة "الفرير" الفرنسيَّة وهي إحدى أرقى مدارس القاهرة، لكنه نجح في جمعه نقيضين بين حياته الأرستقراطيَّة وأدوار ابن البلد في الحارات والمناطق الشعبيَّة.
مشواره مع اسماعيل ياسين
سطع نجم عبد الفتاح القصري برفقة صديقه الفنان اسماعيل ياسين، وتألقا معاً في الكثير من الأعمال السينمائيَّة منها (ابن حميدو، 1957), (إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين، 1958), (حرام عليك، 1953), و(اسماعيل ياسين في متحف الشمع، 1955) وغيرها الكثير من الأعمال ليختم مسيرته السينمائيَّة بفيلم (سكر هانم،1960) مع كمال الشناوي وعبد المنعم إبراهيم وسامية جمال.
عينه الحولاء
على الرغم من أنَّ الحول الظاهر في عينه اليمنى كان أحد الأسباب الرئيسة في شهرته وتميّزه في الأدوار الكوميديَّة وكانت السبب في نجاحاته على خشبة المسرح والسينما، لكنَّ هذا التشوّه في ملامحه سبّب له جرحاً عميقاً من الألم النفسي فكان يتعرض للتنمر حين كان طفلاً بين زملائه وينادونه بالغبي الأحول، على الرغم من علاماته العالية وتفوقه عليهم في مراحل دراسته، واستمر التنمر عليه من قبل الجمهور، حين يهتف بعضهم له في المسرح (شد حيلك يا احول.. اتجدعن يا أحول)، وأكد عبد الفتاح القصري في عدة صحف محليَّة مصريَّة أنَّه بمرور الوقت عشق هذا الحول، رغم محاولة البعض إغرائه من أجل إجراء عمليَّة جراحيَّة لضبط عينه الحولاء لكنه رفض لأنه يراها سرَّ شخصيته الكوميديَّة الفنيَّة.
غدر الزوجة والابن
تزوج عبد الفتاح القصري أربع مرات ولم ينجب أبناءً، وكانت آخر زيجاته من ممرضة تصغره كثيراً بالعمر، احتالت عليه بأنْ يسجل لها جميع ما يملك بعد أنْ لمَّحتْ له بقرارها الانفصال عنه لأنَّه لا يستطيع الإنجاب، في ظل وجود أسرته الكبيرة، ومن فرط عشقه لها نفذ لها ما تريد، ولكن تغيرت معاملتها له، وتطلقت منه وتزوجت شاباً من عمرها كان القصري يصرف عليه طوال حياته وعامله كما لو كان ابنه، بل طلبت من القصري أنْ يكون أحد الشهود في زواجهما مقابل السماح له العيش في إحدى غرف منزله الذي كان قد تنازل عنه لها وإلا سيتم طرده منه، فاشتدت عليه أعراض مرض السكري والضغط وفقد بصره وهو على خشبة المسرح خلال عرض مع الفنان اسماعيل ياسين، فتخلت عنه طليقته بشكل نهائي وطردته من منزله، ما جعل الفنانة تحيَّة كاريوكا والممثلة نجوى سالم وماري منيب يصرفن عليه ووفرن له شقة في أحد الأحياء الشعبيَّة لمنطقة الشرابيَّة وتبرع له الأديب يوسف السباعي بمبلغ 50 جنيهاً لشراء غرقة نوم له، أيضاً قامت الفنانة هند رستم بحملة تبرعات بين الفنانين لعلاج زميلهم، ولكن نال الاكتئاب ونوبة السكر من القصري ليدخل في غيبوبة لم تمهله طويلاً ليرحل في الثامن من آذار لعام 1964.
كانت الحياة قاسية على شخصٍ لم يكن يدير سوى سلعة الضحك، لكنَّ المرض وغدر الزوجة وخيانة الابن بالتبني كانت مؤلمة عليه وكان مسكيناً أيضاً حتى في وداعه فلم يحضر الكثير جنازته سوى الفنانة نجوى سالم وتحيَّة كاريوكا وشقيقته بهيَّة وجيرانه من "المنجد" والحلاق والخيّاط وعسكري الشرطة.