في عزلته الأبدية أبو سرحان يصغي إلى هديل الحمام

ثقافة شعبية 2022/06/16
...

 سعد صاحب 
 
الروح الجميلة لا تكفي لوحدها، ما لم يرافقها جسد متناسق بشكل بديع، يحافظ على رونقه عند تقلبات الزمن، فما أسعدني ولي حبيبة رائعة الملامح، القمر المتعالي بغرور في السماء، يستحي من نور وجهها المضيء، والشمس خلف خطاها صاغرة تمشي ذليلة، والنجوم لها وصائف. (حسنج كمر لو شمس / لو فرحه لو زفه). اختار الشاعر موقعاً في الجسد مثيراً لحساسية المرأة، وتمنى لو يتدلى قرط من الذهب، في المنطقة المحصورة تحت الإذن والشعر، لكي يلامس الجيد المشرق مثل مرايا البيوت السعيدة، أو يتوسد قرب المكان المرتعش المثار. (خليني حدر الزلف / ترجيه ارد اغفه)، مفردة الدفن توحي بالموت والنهاية، والشاعر بذكائه الفطري، حول المدفن القسري إلى مصدر للحياة، فالنبع المدفون في الشفاه الطرية، يمدنا بكل أسباب البقاء والسعادة والعافية. (يلماي وين النبع / مدفون بالشفه / شوك الحمام بهيد والونه ترفه). 
 
إشادة
أدخل تقنية جديدة في الغزل، وهي تطويع أسماء بحور الشعر وأطوار الغناء للتغزل بالحبيب، وهذه حالة جديدة تستوجب الانتباه والوقوف والإشادة، والشاعر يطمح إلى أن يبعد القصيدة عن الروتين، ويحاول إيجاد نوافذ مختلفة لإبهار القارئ، التواق إلى كل مختلف في الكتابة، والشعر بحد ذاته لعب في اللغة وابتكار في المجاز وغرابة في التصوير. (يل رمشه بستة فرح / واعيونه تجليبه / يل طوله نايل عشك / والشعر مدريبه / مجتول من صيد امس / من كثر تعذيبه). 
 
شعاع
الجمال يجعلنا ننطلق في فضاء لا متناهٍ، من الطاقة والخير والحيوية والأمل والشعاع، وهو من أصعب الكمائن المنصوبة لنا في الطريق، ومن يهيم بوجوه النساء الحسنة، لا يحصد سوى المعاناة، وقلب العاشق الرقيق، عاجز عن مقاومة العيون العسلية الناعسة، فهي تدخل القلب بلا استئذان، وتفتح لها على مصاريعها الأبواب. (شد وبري فوك الزلف / وبحسنه متغاوي / مدري الخدود الضون / مدري الكمر ضاوي / مدري بنوره احترك / مدري الكلب داوي). 
 
تجاور
كل مقطع يعتبر قصيدة منفصلة بحد ذاتها، أحياناً ترتبط مع الأبيات السابقة برابط وثيق، وأحياناً تستفيد من التجاور، ومن تداخل المعاني وحرارة العاطفة، ومن الفكرة المبنية على الإيقاع والحركة والكلمات المتجانسة، وعدم الانسياق الكلي إلى الشكل الصارم، والابتعاد عن غلواء التشابه والعبارات الجاهزة. (حفنة غوه بكل رمش / والنظره حداري / كلما اكولن عفت / ارجع اويه الجاري). 
ابتدأ القصيدة بمغازلة الأنثى بكل حفاوة ورقة واهتمام، وتنتهي بالرؤى الحزينة والخيبات المتتالية، يتنقل فيها من الأعراس والأفراح والأمنيات، إلى ذبول زهرة المحبة وانطفاء شمعة المواعيد، ورحيل طيور الحب مع الطيف الحزين، وكل مهاجر عاد إلى دياره بعد انقطاع، إلا أنت أيها المسافر البعيد، لم تعد إلى روحي المريرة، لم تعد إلى قلبي الجريح. (ذبلن وعود العشك / بشفافك وماتن / وطيور حبنه ارحلن / وي طيفك وتاهن / كل المهاجر اجه / وكلبك بعد ماحن).
 
تفعيلات 
القصيدة مكتوبة على بحر البسيط (مستفعلن / فاعلن / مستفعلن / فعلن) مثل هذا البيت الشعري (انه اشتري بالعمر / ضحكه بحلم منك ). ما عدا النهايات التي تجيء على تفعيلات خارجة عن الميزان على سبيل المثال (موت الحمام بهيد من جور ولفه) ويكون التقطيع بالشكل التالي (مستفعلن / مستفعلن / فاعلاتن) وغيرها من التفعيلات التي لا تجيء على هذا البحر، ومثالنا اللازمة المكررة في كل مقطع (شوك الحمام بهيد والونه ترفه).
 
ألحان 
كوكب حمزة ملحن غير تقليدي ومشاكس حتى في الألحان، ومتجدد على الدوام، يقدم في كل أغنية شيئاً مختلفاً عن السابق، ويمتلك الخبرة الكافية، باختيار جمله الموسيقية المتمردة على القوالب اللحنية القديمة، وكان لصوت المطرب القدير فاضل عواد الأثر العميق في النجاح، وتوصيل أدق التفاصيل العاطفية في الموسيقى والكلام والأداء، يكفي أننا استمعنا إلى هديل الحمام، في أنغام موسيقية ساحرة.