بشير خزعل
تصوير: نهاد العزاوي
أصبح الحصول على المياه المأمونة حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، تتحمّل الدول مسؤولية تحقيقه لمواطنيها وأدخلته في اولوياتها الوطنية ووضعت له الأهداف العالمية تدعمها في ذلك الأمم المتحدة من خلال تضمينه الأهداف الأنمائية، المنطقة العربية يشكل سكانها أكثر من 5 % من عدد سكان العالم، ولكنها لا تمتلك سوى 1 % من اجمالي كميّة المياه العالمية. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن اثنتي عشرة دولة عربية تعاني من نقص حاد في المياه؛ من بينها الأكثر تضررا العراق، إذ إن كمية المياه المتأتية من مصادر متجددة لا تصل إلى 500 متر مكعب للفرد الواحد سنوياً.
فالبلد يعاني من مشكلات كبيرة في وفرة المياه، التي تتناقص نسبتها سنويا بسبب السياسات المائية، التي تعتمدها بعض دول الجوار، إضافة إلى قلة المشاريع الستراتيجية الخاصة بالبنى التحتية لمشاريع الارواء وارتفاع نسبة الهدر في المياه العذبة نتيجة الاستخدامات الخاطئة.
نسب مخيفة
الباحث في شؤون المياه مهند الانصاري قال: بالنظر للضغوطات التي تعاني منها المنطقة العربية من التزايد السكاني إلى تغيّر المناخ وموجات الجفاف والتصحّر وانحباس الأمطار، تعدُّ قضية المياه من أبرز القضايا التي تحتاج إلى حلّ يرتكز على التعاون الإقليمي. اذ يعتبر نجاح الستراتجيات المتعلقة بالمياه رهن الالتزامات السياسية والمالية والبشرية، إضافة إلى عوامل أخرى كتقييم موثوق لمصادر المياه المتوفرّة.
فلا بدّ لنا من أن نلفت إلى دراسات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، التي قدُّرت مساحة مصادر المياه في غرب آسيا ب 85 كلم مكعب؛ والتي من المرجح أن تنخفض إلى 20 بالمئة خلال الخمسين عاما المقبلة، بسبب عوامل متعدّدة كتغيّر المناخ والاستخدامات الجائرة للمياه في بعض البلدان.
معالجات خجولة
واضاف الانصاري: طالبنا بالتدخل أو اتخاذ إجراءات سريعة لمنع الهدر في الموارد المائية وأهمية تشكيل مجلس وطني للمياه، وأشار إلى أن "قضية الهدر في المياه العراقية هي قضية داخلية تتطلب اجراءات وتشريعات تضمن الاستخدام الامثل والادارة المتكاملة للموارد المائية في العراق"، وأوضح "لا يزال هذا الأمر في بداية طرحه كصيغة لحل المشكلات المائية، ولكن لم تتخذ الاجراءات الفعلية لتنفيذه على أرض الواقع وقضية تشكيل مجلس وطني للمياه يعدُّ من الأولويات الضرورية لتنفيذ مثل هكذا سياسات وبرامج، تهدف إلى تطوير الواقع المائي العراقي".
أنهارٌ عابرة
الدكتور احمد السراي المختص في مجال البيئة أكد أن المشكلة الرئيسة بالنسبة للعراق تتمثل في أن منابع النهرين تأتي من خارج حدوده من هضبة ارمينية في تركيا، وهي تستحوذ على النصيب الاكبر من مياه النهرين، من خلال اقامة المشاريع وانشاء السدود، ما يقلل من كمية المياه المنسابة إلى العراق وسوريا، في الوقت الذي تزخر تركيا بمواردها المائية العديدة، ولا يشكل هذان النهران سوى 30% من مواردها المائية السطحية، حيث إن المنطلق الاساسي للسياسة التركية تجاه هذين النهرين، هو عدم اعترافها بدوليتهما، بل تعدهما نهرين عابرين للحدود، لذلك لها الحق في التصرف بمياههما خدمة لمصالحها، متجاهلة قواعد القانون الدولي الذي يفرض أحكاما في الاستفادة من الأنهار التي تجري في اكثر من دولة، واستثمارها بالشكل الذي لا يحدث ضررا لأي طرف مشترك. ولقد قامت تركيا بتنفيذ عدد من المشاريع، منها مشروع الكاب الذي يضم 22 سدا و 14 محطة كهربائية على نهري دجلة والفرات، واستطاعت انجاز سد اتاتورك عام 1992 على نهر الفرات، وأكملت سد اليسو على نهر دجلة. الأسباب التي دفعت تركيا لاتباع هذه السياسة في استثمارها للموارد المائية كثيرة، إلا أن أهمها هو افتقارها لمصادر الطاقة، فأرادت أن تعوض عن هذا النقص بالماء، لكن في الجانب الاخر فإن العراق تضرر كثيرا من هذه المشاريع، والتي انعكست في الكثير من المجالات الحيوية الخدمية في الصناعة والزراعة وازدياد نسبة التصحر وتقليص نسبة المساحات المزروعة، وارتفاع نسبة الملوحة في الأنهر، وتأثيرها في التنوع الاحيائي.
أضرار
وأشار السراي إلى الأضرار الجسيمة، التي خلفتها هذه المشاريع بالنسبة للعراق، تمثلت في حجز 43% من مياه نهر دجلة و40% من مياه نهر الفرات وأدت إلى العجز عن تلبية الاحتياجات المائية في المجالات الحيوية، سواء للاستخدامات الخدمية أو الصناعية والزراعية، اضافة إلى آثار اخرى تنعكس في تقليل المساحات المزروعة وانتشار التصحر، فضلا عن ارتفاع معدلات الملوحة في مياه الأنهار، ما يساهم في تدهور الثروة السمكية النهرية والتنوع الاحيائي بشكل عام .
وأضاف مشكلة أزمة المياه اذا ما بقيت على حالها في العراق من دون حلول ناجعة ومدروسة بشكل علمي وستراتيجي، فإن ضخ ماء الشرب ليوم أو يومين في الاسبوع كما في دول قريبة، سيكون سيناريو قادما لأزمة جديدة تضاف إلى أزمات الدولة العراقية وعبئا آخر سيجثو فوق أعباء ماينوء به المجتمع العراقي من مشكلات وأزمات لم تجد حلاً، لا من قريب ولا بعيد.