المانجو آخر ضحاياه التغير المناخي يفتك بملكة فواكه الهند

بانوراما 2022/06/18
...

 سوهاسيني راج
 ترجمة: ليندا أدور
 
لا فاكهة أجمع كل الهنود على حبها وفي كل الأوقات دون استثناء، كفاكهة المانجو، فهم ينتظروها بفارغ الصبر لتبرّد وتحلّي أيام صيفهم الطويل، ولو لفترة وجيزة. وقد أضافوها الى "الكباب"، واستخدموها لتحميض الطعام وهرسوها مع النعناع لصنع شراب منعش.
لطالما كانت مثار جدل الخبراء حول أي، من عشرات الأصناف من المانجو الهندية التي تتميز كل منها بنكهة ولون وملمس مختلف، هي الأفضل، كما كانت سبب اختلاف في ما بينهم حول الطريقة الصحيحة لتناولها، هل من خلال تقطيعها الى شرائح أم شرب عصيرها مباشرة من قمتها؟
لكن طقوس فاكهة المانجو لهذا العام، التي يمتد تاريخها الى قرون، أصبحت عرضة للخطر بعد موجة الحر الشديدة التي ضربت شمالي البلاد بأسابيع أبكر من موعدها المعتاد، لتتسبب بتدمير محصول المانجو، ما يشكل تهديدا لمعيشة وحياة الآلاف من صغار مزارعيها والملايين من مستهلكيها. 
 
 
فشل الحصاد
تعد موجة الحر الأخيرة، مثالا حيا على التحدي الذي تواجهه الهند لضمان أمنها الغذائي في ظل تفاقم أزمة التغير المناخي، ما يضاعف من الصعوبات التي تواجهها أيضا في رفع إنتاجها الزراعي وفقا للمعايير الدولية لإطعام أعداد متزايدة من سكانها، الذي يقارب يقترب من مليار ونصف مليار نسمة. 
بدت مخاطر مستقبل أكثر سخونة، واضحة وبشكل يبعث على الألم في مزرعة ماليهاباد الصغيرة، في منطقة تشتهر بزراعة المانجو شمال الهند، حيث يعمل محمد آسلام على رعاية نحو 500 شجرة من فاكهة المانجو.
قبيل بضعة أشهر، كانت أشجار آسلام بكامل صحتها، بأوراقها الخضراء الداكنة وهي تتلألأ فوق تربة مميهة جيدا، فيما تحمل أغصانها عناقيد الزهور البيضاء. لكن شهر آذار الماضي، كان أحر "آذار" مر على الهند خلال 122 عاما، إذ بلغ معدل درجة الحرارة 33 درجة مئوية، بينما وصلت العظمى الى 40 درجة مئوية، ما أدى إلى ذبول أزهار المانجو وموتها قبل أن تتحول إلى ثمار. 
لم تنتج أي من أشجار آسلام، التي تمتد على مساحة تصل الى أربعة هكتارات، ثمرة مانجو واحدة، بعد أن كان يصل معدل انتاجها السنوي الى 25 ألف رطل. يقول آسلام وهو ينظر الى مزرعته في ولاية أوتار براديش، "لم أشهد ظاهرة كهذه من قبل في حياتي على الإطلاق"، وهو يندب بأسى آلاف الدولارات التي سيخسرها بسبب فشل الحصاد.
 
موجة قد تتكرر
لم يكن آسلام وحده، بل معه مئات المزارعين الذين كانوا يراقبون، عاجزين، استمرار موجة الحر الشديدة التي امتدت من آذار حتى نيسان، وهو الأسخن منذ 50 عاما، لتستمر حتى آيار. في تقرير صدر مؤخرا، يشير علماء المناخ الى أن فرص تكرار حدوث مثل هذه الموجة في الهند، قد إزداد بمعدل 30 مرة على الأقل منذ القرن التاسع عشر.  يقول ديراج كومار تيواري العالم لدى جامعة أوتار براديش الزراعية، بأن درجات الحرارة تجاوزت الدرجة المثلى لتلقيح أشجار المانجو وهي 25 درجة مئوية. 
في الهند، أكبر منتج لثمار المانجو في العالم والذي يقرب من 50 بالمئة من المحصول العالمي، يتم استهلاك معظمه محليا، بينما يتم تصدير ما قيمته عشرات الملايين من الدولارات سنويا الى كل من الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة الأميركية. حتى قبل ارتفاع درجات الحرارة، تعرضت صادرات المانجو الهندية إلى أضرار شديدة بسبب اضطرابات سلاسل التوريد بفعل الجائحة، بعد ان تراجع معدل الشحن الى الخارج بنسبة 50 بالمئة العام الماضي.  
الطقس القاسي لم يضر بالمحاصيل في شمالي الهند فحسب، بل جنوبها أيضا والتي تعرضت لهطولات مطرية غزيرة مبكرة، اذ يقدر مسؤول زراعي حكومي بولاية أوتار براديش، مركز زراعة المانجو، بأن إنتاج الولاية لهذا العام سيتراجع بنسبة قد تصل الى 20 بالمئة، بينما أشارت جمعية مزارعي المانجو بأن محصول منطقة حزام زراعة المانجو الشمالي سينخفض بنسبة تقارب 70 بالمئة. جنوبا، في ولاية أندرا براديش، وتسببت الأمطار الغزيرة بتأخير تزهير المانجو لنحو شهر، وعندما بدأت الثمار بالظهور، كان الجو قد أصبح حارا جدا، فسقط الكثير منها قبل أوانه. 
يمتلك معظم مزارعي منطقة ماليهاباد بولاية أوتار براديش قطعا صغيرة من الأراضي يعتمدون في معيشتهم، وأسرهم، على مدى ثلاثة أجيال على الأقل، على زراعة أنواع طيبة المذاق من المانجو مثل "داشيري Dasheri". 
 
لا مانجو لا حياة
في العام 2013، بدأت جيوتسنا كور حبيب الله، التي تدير سوقا للمزارعين، بإقامة مهرجان المانجو في ماليهاباد، لإحياء تقليد كان متبعا بتناول ثمار المانجو مباشرة من البستان "غالبا ما يرتبط الغذاء ارتباطا وثيقا بثقافة الشعوب، وهنا تلعب المانجو دورا رئيسا في المنطقة ليس كغذاء فحسب، بل في الفن والمنسوجات على شكل زخارف وشعر"، تقول حبيب الله، مضيفة بأن "الارتباط الوجداني والنفسي بالمانجو ليس فقط، بسبب طعمها اللذيذ، لكن لارتباطها بثقافة المكان وإرث لا يمكن لنا أن نتركه يموت ويتلاشى".
متجمعين على جانبي الطريق حيث بساتين المانجو في ماليهاباد، أعرب المزارعون عن قلقهم بشأن مستقبل زراعتهم، ومسألة تنويع إنتاج فواكه وخضراوات أخرى، أو حتى بيع أراضيهم. يقول نديم أحمد، مزارع مانجو من الجيل الثالث، بعد أن أخذ نفسا عميقا وهو يسير في مزرعته الصغيرة، مشيرا بيده الى الأشجار التي كانت عادة ما تكون مثقلة بما تحمله من ثمار في مثل هذا الوقت من كل عام: "بقلب محزون، سأشرع بقطع هذه الأشجار اذا استمر الحال على هذا المنوال"، مضيفا "ترتعد روح المزارع وهو يشاهد أشجاره لم تثمر". أما آسلام، فأشار الى حالة "التوتر الحاد" التي يمر بها بشأن غلة محصول المانجو، التي بلغت خمسة بالمئة فقط من الأعوام السابقة، ليبادر ابنه، (14 عاما)، بالحديث عن عدم رغبته في الاستمرار بأعمال والده وأسرته عندما يكبر. يشير آسلام الذي أرغمته المصاعب على تأجيل زفاف ابنته، بقوله: "لن يكون هناك ما يكفي من الفاكهة حتى لأطفالي"، مضيفا بصوت منخفض وقد تجعدت جبهته بفعل شمس الظهيرة الحارقة "لا مانجو، لا حياة". 
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية