الفكرة المبطنة في رومانسيات «امرأة مثلها»

منصة 2022/07/25
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
 
يستحضر الروائي “مارك ليفي” في رواية (امرأة مثلها)، حالة معينة إنسانيَّة للتحدث من خلال ذلك عن شكلٍ أدبيٍ استبطاني هو محاكاة دراميَّة لصوتٍ سردي متأصلٍ اختزله في حالة لامرأة لا تهرب من حب قد يستحيل نجاحه، وهي على كرسي متحرك ومن شخصٍ آتٍ من العالم الثالث “من بلد قطاع الطرق والأحياء العشوائية الفقيرة!” الهندي سانجي الذي يحتد ويسأل ماذا فعلتم بالحلم الأميركي؟
إذ تتقارب الفكرة المبطنة روائياً في رومانسيات امرأة مثلها تعاني من بترٍ في ساقيها أدى الى استخدامها الأطراف الصناعيَّة التي تفقدها أنوثتها، ومع ذلك تقع في حب الهندي سانجي عامل المصعد الآتي من الهند جنة التكنولوجيات العالية والألبان والأجبان العضويَّة، ليلائم بفن سردي بين الأطراف المتنازعة على غرس وجودها في مجتمع هو شريك تكنولوجي يشبه امرأة مثلها على كرسي متحرك. لكنها الحليف العاطفي لسانجي الذي يتساءل دائماً أي طرف كان والده سيختار؟ “هل سيكون حليفه أم يمتنع عن خوض حرب بين الأخوة؟ مستذكراً شوبنهاور وكرهه للنساء الراسخ في اللاوعي لشعب يحمل رايته سانجي الآتي من مومباي، والبسيط في رؤيته للحياة . إلا أنه “يندهش حين ينظر شخص غربي إلى الهند، أبعد من الأبقار المقدسة والصلصة الحارة بالكاري” فهو لا يخبئ شخصيته كواحدٍ من سلالة لا تحتاج لأطرافٍ بديلة كما هي الحال مع كلويه المرأة ذات الساقين البديلتين. ومع ذلك تصالحت مع ذاتها وأرادت هذا الحب مستكملة حياتها برومانسيَّة تمضيها مع سانجي الذي يريد الانفتاح الاستثنائي على السوق الهندية مع العملاء الذين يتابعهم عمه ديباك بمصداقيَّة بعيداً عن الخصوصيَّة والسريَّة في شخصيته النابعة من كونه عامل مصعد يسأل بصراحة هل تعانون في أميركا هوس الشك في صدقية الجميع؟ إذ يتابع سانجي شخصيات المجتمع الذي انخرط فيه مثل حبيبته ذات الأطراف البديلة منتقداً في الوقت ذاته الطريقة التي يدير بها الحكام بلادنا. فهل مارس مارك ليفي الأسلوب المبطن في قصة رومانسيَّة لحب بين أميركيَّة وهندي هي في الحقيقة قصة أطراف الصراع في قضايا ننظر إليها ببساطة شديدة بينما هي مبتورة الأطراف دائماً رغم أنَّ الحياة تخبئ لنا ثروة غير منتظرة؟ أم أنَّ قصة الحب هذه العلاقة شبيهة بعلاقات الكثير من البلاد حولنا؟
تمثل رواية (امرأة مثلها) على الحالة الداخليَّة للأدب الرومانسي وفلسفاته المغموسة بهمومٍ إنسانيَّة، لاستكشاف الوعي عند القارئ وفق اختلافات الرؤى التي تستهويه في الأدب الروائي المغمس بتجربة واقعيَّة تتجدد معانيها في الحياة تباعاً، وفق الخيال السردي وخصوصيته في تجسيد ما هو مألوفٌ في الحياة، وغير مألوفٍ في التعاطي مع مشكلات اجتماعيَّة وأخرى متبناة بين العوالم التي يتم تصنيفها بين عالمٍ ثالثٍ وعالمٍ رابعٍ، وعالمٍ يحتاج لتحليلٍ نفسي أو لدراسة العلاقات المعقدة بين الأشخاص وبين الدول أيضاً.
إلا أنَّ ليفي يكشف عن صعوبات يواجهها الإنسان الذي يحتاج لأكثر من حنان منحه سانجي لكلويه بمنطق الامتيازات الإنسانيَّة الداخليَّة التي تبقينا بمأمنٍ من الوساوس لنتصالح مع أنفسنا كما فعلت كلويه في قصة حبها مع الهندي الآتي من مومباي. فهل يجب فعلاً أنْ نتقبل الحياة ونكفَّ عن التظاهر؟ أم علينا أنْ نعترفَ بحالتنا إنْ ضعفاً أو قوة لنتابع الحياة ونستمر في واقعٍ غير مشوهٍ أو في واقعٍ لا نحتاج فيه لأطرافٍ بديلة. بل نحتاج لقوة الاستمرار والبقاء الآمن من الشكوك والكره؟
يحتجز مارك ليفي القارئ رومانسياً من خلال قصَّة الحب التي قدمها في قالبٍ سرديٍ يمثل حالة ذهنيَّة لامرأة مثلها ربما هي بعضٌ ممن نلتقيهم في الحياة، وربما هي البلاد التي تتنافس في ما بينها على سياسات أو اختراعات أو حتى تكنولوجيات. لكنها في الواقع ترتكز على الشعور الداخلي، وهو نوعٌ من الاستبطان الاجتماعي أو السياسي أو حتى العاطفي المتميز بسمات سرديَّة واعية في مساراتها المعرفيَّة، وبفهمٍ لتنوع القراء وثقافاتهم واتجاهاتهم، إذ نستكشف من خلال كلويه وسانجي كنه الشخصيَّة الروائيَّة اجتماعياً ونفسياً وسياسياً للانخراط في مصطلحات استبطنها ليدفع الذهن الى التحليل عبر إسقاطات متعددة من دون أنْ يغفل عن سياق شخصياتها بصراحة محققاً الغوص الواقعي في قصة حب جمعت كلويه من بوسطن بسنجاي من مومباي وفق استدلالات أكثر دقة حددها من دون تشتت وفق تفاعلات التعارف بين الناس التي تتخذ منحى طبيعياً بعيداً عن التجاذب بين عالمٍ ثالثٍ أو عالمٍ رابعٍ أو حتى العالم الأقوى بين العوالم الضعيفة.
فهل رفض مارك ليفي البعد الاجتماعي بشكلٍ حاسمٍ بين شخصياته بنظرة رومانسيَّة؟