البحث عن منقذ

آراء 2022/07/27
...

 عدوية الهلالي 
 
تبدأ الفوضى في أية دولة عندما يفقد المواطنون الثقة بمؤسساتها بسبب ما يعتريها من عشوائية، وهنا يتولد الخوف لدى المواطن وتبرز في سلوكياته غريزة البقاء، وبالتالي يبدأ المواطنون بالبحث عن منقذ قادر على رعايتهم وحمايتهم .
ومن الطبيعي ايضا أن يقود الخوف من الفوضى إلى نشوء المزيد من الرغبة في الخضوع لدى المواطنين اكثر بكثير مما يحدث عندما تكون المعايير المؤسسية مستقرة.
وبالتالي فإن كل سلطة استبدادية تبني أسسها على الفوضى، لأن سبب وجودها يكمن في الرغبة في احلال النظام بأي ثمن.. ولأننا لازلنا من الشعوب غير القادرة على تحمل مسؤولياتها الفردية والجماعية، فهناك ميل قوي إلى تكليف فرد ما بادارة حاضر البلد ومستقبله في محاولة لجلب النظام والقضاء على الفوضى السائدة والحصول على بعض الراحة حتى لو كان ذلك مقابل الخضوع للحاكم بعبودية طوعية، اذ يبحث الشباب عن منقذ قادر على تأمين معيشتهم من خلال سلوك سبل التعاطف والخوف.
ولكن لا يمكن لأي منقذ أن يحقق هدف الاستيلاء على السلطة دون الإسهام أولاً في إرساء الفوضى. 
وفي الواقع، ولكي يكون هناك منقذ، يجب أن يكون هناك خطر لا مفر منه، ولا بد أن يكون الحاكم هو المصدر الأساسي لجميع الأخطار وبالتالي يعمل على الإسهام في القضاء عليها.
وهكذا يفرض المنقذ نفسه بعد ذلك باعتباره البديل الوحيد للفوضى وبالتدريج، وبفضل السلطة الموكلة له يصبح الخوف والعشوائية أدوات لا غنى عنها في يد المنقذ، مستغلا العبودية الطوعية للمواطنين، وللأخير مصلحة في تأجيج هذا الخوف بالتهديدات الداخلية والخارجية، وجعل الناس يعتقدون أن عودة المؤسسات تعادل عودة الفوضى.
فهو يعمل على طمأنة الشباب باستمرار بأنه يعمل من أجلهم، وأنه يمكنهم الاستسلام للراحة طالما أنه موجود لتحمل المسؤولية بدلا عنهم.
وتكمن الراحة لديهم في غياب المسؤولية بوجود راع يراقب القطيع، لكن خضوعهم محفوف بالمخاطر، اذ يمكن للراعي أن يتعامل بانسانية مع القطيع لكنه يسارع إلى استخدام كلاب الحراسة للسيطرة على الموقف ضد أي إشارة تمرد صغيرة.
ونظرًا لأن الحياة ليست رحلة طويلة هادئة، وبما أن البشرية نمت على حساب التحديات والمخاطرة والتكهن بالمستقبل، فلا يمكننا أن نكتفي بحياة القطيع.
اذ على الانسان أن يعتز بسيادته كإنسان ويحاول ان يعطي لحياته معنى.
فأن تكون صاحب سيادة يعني أن تكون حراً ومسؤولاً، فنحن لا نحتاج إلى أب يحمينا ولا إلى (بعبع) يخيفنا.
فإذا كان هناك “أب”، فإن دوره هو تعليم أبنائه كيف يكونون بالغين ومستقلين ومسؤولين.
فالدليل الحقيقي على احترام “الأب” لـ “أبنائه” يكمن في حرصه الدائم على إيقاظ ضمائرهم بدلاً من جعلهم ينامون.
لذلك فإن وجود الفوضى ضروري ليس لخلق الخضوع، ولكن لتشجيع الإبداع واصلاح الأخطاء وانعاش عقول وارواح الشعوب.