جذور التعصب واحدة وإن اختلفت الأشكال

آراء 2022/07/28
...

 رعد اطياف
 
يوجد الكثير من الشرائح الاجتماعية استطيع أن أسميها مسكينة ومغلوبة على أمرها ومثيرة للشفقة. ليس لفقرها الاقتصادي، وإنما لمحاولاتها الرامية للتميّز عن باقي الحركات الدينية. لكنها في نهاية المطاف تسقط في فخ التماثل والاستنساخ المشوه. إنها تحاول جاهدة، وبطرق عشوائية، أن تكون مختلفة، لكنّها تستخدم ذات الحماس العقائدي في محاولاتها الرامية للتميز عن التنظيمات الدينية! أعني هنا، ومن زاوية محددة، طرق التفكير والسلوكيات التي تشترك كثيراً مع الحركات العقائدية المتعصبة، ولا تختلف عنها إلا من حيث الشكل، كما لو أننا في حفلة تنكرية كبيرة. تعتقد هذه الشرائح أن مجرد ترك الفرائض الشرعية التي يوجبها الدين تضمن لهم الخروج عن دائرة الدين كلياً. أو تجعلهم مختلفين تماماً عن أي حركة عقائدية، وخصوصاً حركات الإسلام السياسي. غير أن الجانب المهمل هنا والمسكوت عنه كلياً هو البنية الذهنية وذاكرتها المضطربة التي تخضع لذات العناصر القديمة، فالعادات ليست بهذه السهولة مثلما يتوهمها هؤلاء؛ إذ يبقى شبح التعصب والظلامية، الذي تتصف به عادة الحركات السلفية، يلاحق الكثير من الناس حتى لو كانوا خارج الجماعات العقائدية المتعصبة، ذلك أن العناصر التي تكوّن بنية التفكير المتعصب هي ذاتها باقية بأشباحها ومفاعيلها في ذهنية غير الجماعات الدينية، مع اعترافنا بالاختلاف النوعي بين الاثنين. ومن سوء حظ العراقيين أنهم مطوقون بذاكرة مذهبية وقبلية تعزز طرق تفكيرهم وتجعلهم مميزين!
أين تكمن المفارقة؟ حين يصدق هؤلاء إغراءات العالم الأزرق وتصفّق وتطبّل لهم بعض الكائنات الهائمة في هذا العالم فتعتريهم نشوة يقينية على أنهم مختلفون ومميزون! هذا الروح الديني، وبالخصوص الجزء المتعصب منه لا الروحاني النقي، يهيمن على مجمل طرق تفكيرهم، إن كان لهم تفكير، ويطبع سلوكهم بطابع الإيمانية العميقة التي تستحيل معها كل طرق التفكير الحر. نظرة واحدة على الأحداث السياسية، التي تتحول إلى علكة محببة لهذه الشرائح، سنعرف ماذا يعني التفكير الحر! فهذا الأخير فهموا منه تعزيز حِدّة الغباء العدواني فقط. مع الاعتراف بتحديات الواقع وقوة السلطة المهيمنة وحداثة التجربة السياسية في العراق، التي نتقاسمها مناصفة سواء كنّا دينين أم دنيويين، وكذلك لا ننسى عدد الضحايا الذين سقطوا في انتفاضة تشرين. أقول مع كل هذه التحديات، إلا أننا نشكّل تحدياً عصياً على التغيير، كما لا أحد منّا يتحلى بالشجاعة الكاملة للاعتراف بهذه الحقيقة، وهو أننا ما زلنا نسخاً مشوهة لذلك الأصولي أو الشيخ القبلي القابع في أعماقنا والذي نتمثّله في كل مرة ويفضحه ويقذفه إلى العلن لا شعورنا الفاضح!