عاشوراء... بين رفْع الشّعارات وإجراء الإصلاحات

آراء 2022/07/28
...

 د. نازك بدير*
 
 هل ثمّة مرحلة تستدعي الخروج” لطلب الإصلاح” أشدّ وطأة من هذه المرحلة؟ وهل ثمّة خلل نخَر في ذرّات البنية العميقة للدّولة اللبنانيّة، وأحالها رمادًا على الصّعيد الاقتصادي، والمصرفي، والاستشفائي أكثر تدميرًا ممّا نحن 
فيه؟
لبنان الذي ألهم العالم عبر التّاريخ، وصدّر الحَرف، والعِلم، والثقافة، والفنّ، وكان رائدًا في اجتراح الحلول للأزمات، يغرق اليوم بسبب فساد السّلطة، ويتدهور بسرعة غير مسبوقة، ككرة من لهب، نحو الجحيم. باتت الهوّة شاسعة، ومن الصّعب ردمها بين المواطنين الفقراء والزّعماء، مع العلم أنّ مَن هم في موقع القرار، تمّ في الأصل انتخابهم لأداء واجباتهم تجاه الناس، لا لتجويعهم، والدّخول في تكتّلات تؤدّي إلى المزيد من الهدر والسّرقات والتّعامي عن الفساد، فإذا بهم يتحوّلون وأدواتِهم سيوفًا مسلَّطة على الرّقاب.
 الإمام الحسين(ع) حوصر هو وأهل بيته، ومجموعة من أصحابه الخُلَّص في كربلاء. رفض مبايعة الفاسد. أصرّ على مواجهة الظّلم، وقول الحقّ في وجه الباطل. قدّم الإمام(ع) من خلال تضحياته دروسًا في بذْل النّفس صونًا للمبادئ، وإعلاء كلمة الحقّ، ورفْع راية العدل، وإحقاق المساواة، وإنكار المصلحة الشّخصيّة.
في ذكرى عاشوراء، ينبغي عدم الانجرار وراء الطّقوس، وألّا يتمّ استغلالها للتّلاعب بمشاعر النّاس، وإبعادهم عن المطالبة 
بحقوقهم. 
وبدلًا من الانصراف في بعض المجالس(وأقول في بعضها) إلى التلهي بالقشور، وأسْطرة الحدث العاشورائي، وتضمينه مبالغات، ومحاولة أخْذ السّامعين إلى فضاءات لا يقبلها العقل ولا المنطق، من الأجدى العودة إلى المضمون الحقيقي لهذه الواقعة، والإفادة من دروسها في تحفيز الوعي، وإعمال العقل، ورفْض الظلم، والثّورة على 
الظّالمين.
أمّا شعار” كلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرض كربلاء” فلا يعني الحزن والبكاء في المطلق، إنّما أن تكون الأيّام كلّها مواجهة الفاسدين، وعدم الخضوع للمتكبّرين، وكسْر شوكة الظّالمين، ولو كلّف ذلك بذْل المهج والأرواح، ولكنّه إحياءٌ للكرامة، وللشّرف، وللعزّة، وللرفعة، ودفْنٌ للخوف، والاستكانة، والذّلّ، والخضوع.
«كلّ يوم عاشوراء” معركة في وجه الطّغاة على مختلف أشكالهم وأسمائهم، والمافيا على تعدُّد وجوهها وأدواتها وساحاتها؛ في الكهرباء، والمياه، والسّلع الغذائيّة، والطّبابة، والأملاك البحريّة، والقطاع المصرفي، والبنى التحتيّة، وكذلك في” رغيف الخبز»...
كاتبة لبنانيّة