أصوات حوافر خيول الجر تعود لشوارع فرنسا

بانوراما 2022/12/28
...

  أنجيليك كريسافيس

  ترجمة: ليندا أدور


مع ساعات الصباح، تعلن أصوات طقطقة حوافر الخيل عن بدء عملية جمع القمامة من شوارع بلدة هينيبونت غربي منطقة بريتاني الفرنسيّة، عندما يشرع ديسبار، حصان الجر، بسحب عربة صغيرة ليمر على جميع صناديق القمامة في شارع البلدة المركزي.

يقول جوليان (38 عاما)، الذي يعمل في تفريغ حاويات القمامة الى شاحنة النفايات ذات المحرك في بلدة أخرى، بأنَّه تلقى تدريبه على عربة تجرها الخيل: “القيام بهذه المهمة مع حيوان أجمل بكثير، الناس ينظرون إليك بشكل مختلف، يلقون التحية بدلا من إطلاق الزامور، إنَّه المستقبل، فهو يوفر التلوث والوقود والضوضاء، ويدفع الناس للابتسام، لطالما كنت أستنشق دخان العادم من شاحنتي، لكني الآن أتمتع بصحة أفضل”.


عالم بلا سيارات

بمواجهة التغير المناخي وأزمة الطاقة ومستويات التوتر العصري، تشهد العديد من المدن الفرنسيّة حركة متنامية لإعادة العمل بالخيل والعربات كبديل للوقود الأحفوري ووسيلة لإبطاء الحياة الحضريّة. تقول فلورنس، وكيل عقارات ببلدة هينيبونت التي يبلغ عدد سكانها 15 الف نسمة، بأنّها غالبا ما تخرج من مكتبها لمشاهدة مرور عربة القمامة التي تجرها الخيل: “تمنحني طقطقة حوافر الحصان سعادة تامة، تجلب لي نوعا من الهدوء اللطيف، تضفي نوعا من الشاعريّة الى حياتنا اليوميّة، هي تذكير لنا بأن الأمور يمكن أن تكون أكثر بساطة مما هي عليه، إن كان بإمكاني العيش في عالم بلا سيارات، فسأفعل”.

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومنذ التجارب الأولى لإعادة العمل بخيول الجر لإنجاز المهام البلديّة، تضاعف عدد المدن الفرنسيّة والمناطق الحضريّة التي تستخدمها لنحو 20 مرة ولا يزال في تصاعد، اذ وصل الى نحو  200 منطقة حضريّة تستخدم خيول الجر، خلال السنوات الأخيرة، بمهام مختلفة وأكثرها شيوعا هو جمع القمامة واصطحاب الأطفال الى المدرسة. 

في بلدة فونداغك، جنوبي فرنسا، تحظى عربات المدرسة التي تجرها الخيول بشعبيَّة واسعة  لدرجة أن قوائم الانتظار وصلت الى 100 أسرة، فقد وجدت دراسة حديثة بأنّها (أي العربات) أسهمت في تحسين علاقة الطلاب بالتعلّم، والبعض منهم ممن كان يفضل السير أو الذهاب بالدراجة الى المدرسة، بات يفضل ركوب عربة الخيل، وبالرغم من أنّها تستغرق وقتا أطول، إلا أنّهم يرون بأنّه، “يبعث على الهدوء”. 

نهج لتنمية مستدامة

تستخدم عربات خيول الجر، التي غالبيتها تكون متوسطة الحجم، بأعمال إدامة المساحات الخضراء والنقل العام للأسواق وأعمال الحراجة وجمع أشجار الميلاد لإعادة تدويرها، وفي موازاة ذلك، هناك زيادة بالاستخدام الزراعي للخيول والحمير، إذ تستخدم المئات منها حالياً في مزارع الكروم وسوق البستنة، حتى أن قيادة العربات، التي كانت ذات يوم حكراً على الرجل، باتت تجتذب النساء إليها وبشكل متزايد. 

غير مدفوعة بالحنين الى الماضي، كانت العديد من المدن الفرنسيّة، بداية القرن العشرين، تمتلك حصانا واحدا لكل خمسة أشخاص، وكانت عربات الخيل تقوم بمهام خطيرة بمجال الصناعة أو المناجم. تقول فانينا دونو لوباغ، عالمة اجتماع لدى المعهد الفرنسي للخيول وركوب الخيل، بأنَّ الأمر، بالتأكيد، لا يتعلق بالحنين الى الماضي، “بل هو نهج لتنمية مستدامة من خلال احترام الطبيعة والرفاهية بطرق جديدة ومبتكرة، كالمساعدة الكهربائية للخيول التي تتسلّق المنحدرات، على سبيل المثال، أو تطوير أنواع جديدة من التلجيم”.

لخدمات البلديّة، يعمل حصانا الجر ديسبار وسيرك، تتراوح أعمارهم بين 8 و 9 أعوام، ويزن كل منهما نحو 900 كيلوغرام، بساعات عمل محدودة، تشمل نقل الأطفال من نادي ما بعد المدرسة الى المطعم، ونقل المتبضعين الى السوق، الى جانب المشاركة بأنشطة دار الرعاية المحلي وجمع القمامة.


العلاج الخَيلي

لتسهيل الأمر على العاملين بالعربات التي تجرها الخيول، بدأ السكان المحليون بفصل القناني الزجاجيّة في القمامة، إذ يقول أندريه هارتيريو، رئيس البلدية السابق، “نشعر وكأنّنا نبني عالم ما بعد الجائحة”، مشيرا “ما يمكننا القيام به كبير ومهم، فالحصان ليس له بصمة كاربونيّة على البيئة، وليس مجتراً كالأبقار، كما أن تكاليفه يمكن أن تكون أقل من الاستثمار في النقل الآلي”. يعد استخدام العربات التي تجرها الخيل في المناطق الحضريّة على أنّه وسيلة لحماية سلالات خيل الجر الفرنسية التسعة، التي تشهد تناقصا مستمرا في أعدادها. 

تقول برناديت ليزيت، عالمة الأجناس البشريّة (الإثنولوجي) ومؤرخة مختصّة بخيول الجر، بأنَّ عودة العربات والخيول الى المشهد الحضري من جديد يستند الى الاهتمام العالمي المتزايد للحفاظ على التنوع البيولوجي، إذ لا تزال تحظى بشعبية كبيرة، كونها “لا تزال تمثل حلقة الوصل بين الأجيال”، مضيفة “لقد اختفت الخيول من الحياة الزراعيَّة في فرنسا نسبيَّاً، مؤخراً، هي تمثل ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ووجودها هو الرابط بين الكبير والصغير”. تقول فيرونيكا (73 عاما) متقاعدة وتسكن باريس، “بمجرد أن أستمع لصوت حوافر الخيل وهي تجتاز شوارع البلدة، يغمرني الفرح من أجل أحفادي”، أما موريس ليشارد، مسؤول بلدي لقرية مجاورة، فيقول لقد ثبت بأنَّ “العلاج الخَيلي” يجعل الناس يشعرون بتحسّن كبير، “مجرد وجود الخيول في مدينة ما، يعني نشر القليل من ذلك العلاج في حياتها اليوميَّة”. 


*صحيفة الغارديان البريطانية