فاتن حمامة بين الرواية والسينما

منصة 2023/01/02
...

 غفران حداد


أخلاق للبيع 

بدأت حمامة مشوارها السينمائي من خلال كنوز الأدب بفيلم «أخلاق للبيع» انتاج 1950، المقتبس عن رواية «أرض النفاق» للروائي يوسف السباعي.. الفيلم من إخراج محمود ذو الفقار، ومثلت الراحلة فيه وهي في التاسعة عشر من العمر، مع ابطال أمثال ميمي شكيب، محمود شكوكو، كيتي وأيضا محمود ذو الفقار.

الرواية التي أصدرها السباعي أول مرة عام 1949 كانت عمل أدبي اجتماعي يبحث في عدد من المشكلات الاجتماعية المنتشرة آنذاك، وكانت رواية «أرض النفاق» تمرد حال المجتمع المصري أواخر أربعينات القرن المنصرم وقامت فاتن حمامة بدور شخصية الزوجة المسكينة والطيبة التي تحاول أن توفق بين زوجها وأمها.


بين الأطلال

جسّدت فاتن حمامة شخصية (منى) عن قصَّة للكاتب يوسف السباعي، في فيلم (بين الأطلال، 1959)، وهذا الفيلم يعد من أجمل الأفلام الرومانسيَّة التي قدمت، بل هو في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصريَّة، وتتمحور قصّته حول الكاتب محمود فهمي (عماد حمدي) الذي يقع في غرام منى (فاتن حمامة) وعلى الرغم من أنّه متزوج ويكبرها بأكثر من عشرين عاماً، لكن هذا الحب يواجه التحديات لتتزوج من رجل آخر. 

فيصاب محمود بالشلل نتيجة حادث سير ويموت إثر ذلك لتقرر منى العيش في بيت محمود بعد مساعدتها زوجته في ولادتها لتعيش بين الاطلال وعلى ذكريّات حبّها القديمة، لكن جاءت نهاية الفيلم سعيدة عندما تقع ابنة محمود في غرام ابن منى من دون أن تدري أنّه ابنها وينتصر الحب في النهاية. 


دعاء الكروان

على الرغم من تجسيد فاتن حمامة شخصيات روائية خالدة في ذهن التي قرأها بشغف كبير مثل النص الأدبي الذي كتبته الكاتبة لطفية الزيات (الباب المفتوح) واتقنت حمامة الدور، بل أضافت للرواية الكثير، وذات الاتقان مع الروائي إحسان عبد القدوس حين كتب قصة فيلم مباشرة للسينما وحمل عنوان (الله معنا، عام 1952) وجسّدت حمامة في الفيلم ابنة واحد من الرجال الذين تاجروا بالأسلحة الفاسدة، وكانت الصفقة الفاسدة السبب في أن يفقد حبيبها ذراعه في حرب فلسطين، لتقرر أن تقف إلى جانب الضباط بتقديم وثائق تدين والدها، ورغم جمال هذه النصوص الأدبيَّة التي جسّدتها حمامة لكن دورها في فيلم (دعاء الكروان) له خط مميز وعلامة فارقة في مشوارها السينمائي الطويل .

حيث جسّدت دور (آمنة) في رواية أبدع في كتابتها الدكتور طه حسين، رغم أنها كتبت في نهاية أيلول من عام 1934، في ذلك الزمن كانت السنوات بدائيّة في التشكيل الأدبي الروائي العربي وكانت بأسلوب السيرة الذاتية لكفاح شابة ريفية عانت كثيرا للوصول إلى مستوى اجتماعي واقتصادي ما، وسيرة مجتمع كامل بشخوصه المقموعة القامعة، لكن الرواية كانت مناسبة للتبادل السينمائي على يد المخرج (بركات) والكاتب (يوسف جوهر)، حيث يمتزج تغريد الكروان بصرخات الظلم والقهر وعلى لسان البطلة (آمنة) الفتاة الريفيَّة ورحلتها مع العوز والترحال، ثم الغدر والانتهاك وقرار الثأر والانتقام لشرف أختها «هنادي» (زهرة العلا)، فتقرر آمنة أن تعمل خادمة عند المهندس ناظر الري لتنتقم منه بالحب ولكنه تقع في غرام المهندس (أحمد مظهر) الذي يبادلها الحب أيضاً، وتحاول أن تترك آمنة قرار الانتقام بترك العمل عنده، لكن المهندس يدفع حياته ثمناً لعلاقاته غير المشروعة.


الباب المفتوح

بعد ذلك عادت حمامة في فيلم سينمائي تم إنتاجه عام 1963، من خلال رواية للكاتبة لطفية الزيات وقد شاركت الزيات في كتابة السيناريو والحوار للفيلم مع السيناريست يوسف عيسى، لتجسد فاتن حمامة شخصية (ليلى) التي تحاول أن تشارك في المظاهرات والتي يعاقبها والدها بقسوة، ورغم أنّها تقع في غرام ابن خالتها لكنها تجد فيه نسخة من أبيها الذي يحاول قمعها هو الآخر، فتبدأ رحلة ليلى في إيجاد ذاتها وحريتها بعيداً عن أفكار المجتمع المناقصة لما تطمح وتؤمن به.

جسّدت فاتن حمامة شخصيات روائيَّة كثيرة قرأناها في سطور الأدب العربي وحتى العالمي، لتدخل قلوب القرّاء وعشّاق الفن السابع، واختياراتها لهذه الروايات مسنوداً برؤية مخرجين سينمائيين نقلوا الرواية المصريَّة للسينما بأبهى صورة من المخرج عز الدين ذو الفقار إلى هنري بركات وصلاح أبو سيف الذي قدم حمامة في فيلم (الك يوم يا ظالم)، المأخوذ عن رواية (تيريز راكان للمؤلف إميل زولا)، كذلك أبدعت حمامة بأعمال إذاعيَّة مأخوذة عن روايات أيضاً مثلما استمتعنا بأدائها من خلال مسلسل (ليلة القبض على فاطمة) وعرض في عام 1982، للكاتبة والصحافيَّة سكينة فؤاد، شاركها البطولة شكري سرحان وصلاح قابيل، ليتحول العمل الإذاعي الى فيلم سينمائي يحمل ذات الاسم والأبطال عام 1984، وكان آخر فيلم يجمع بين فاتن حمامة والمخرج هنري بركات.

وكان جلال (صلاح قابيل) يقوم بإرسال أشخاصا من مستشفى المجانين إلى مدينة بور سعيد للقبض على فاطمة وهو يحاول أن يستغل مركزه السياسي ليتهمها بالجنون، فتحاول فاطمة الهروب إلى سطح المنزل ثم تحكي قصّتها إلى حشد من الناس من حولها، وتذكر أنّها تولت تربية شقيقها جلال وأختها بعد وفاة والديها، وأنّها فضلت العمل في حياكة الملابس بدل إكمال دراستها، وكانت الأعمال المشبوهة لجلال مع الإنجليز السبب ليكون من الأثرياء، وفاطمة هي من ساعدت الفدائيين في مدينة بور سعيد ولكن تنسب البطولة لشقيقها جلال، لكن في نهاية الفيلم تصل فضائح جلال إلى المسؤولين في الدولة ويتم القبض عليه والإفراج عن فاطمة من حجر المستشفى وتعود إلى أهلها في بور سعيد.

تميّزت حقبة الخمسينات والستينات وحتى السبعينات بالبحث عن روايات أدبيّة تصلح لأفلام السينما، ونذكر بعض الأفلام المقتبسة من روايات جسّدت بطولتها فاتن حمامة، وهي كثيرة لا مساحة للحديث عنها في هذا المقال مثل رواية (لا أنام)، و(لا تطفئ الشمس) للروائي إحسان عبد القدوس، ورواية (لا وقت للحب)، و(الحرام) للكاتب يوسف ادريس، أما فيلم نهر الحب فقصّته مأخوذة عن (أنا كارنينا لليو تولستوي).

 ليكون فيلم «أرض الأحلام» آخر أعمالها السينمائيَّة شاركها البطولة الفنان يحيى الفخراني عام 1993، ليبلغ الرصيد السينمائي للراحلة فاتن حمامة، 94 فيلما، فضلاً عن مسلسلات تلفزيونية مثل «أريد هذا الرجل، ضمير أبلة حكمت، وجه القمر»، وقد تم اختيار أحد عشر فيلماً من أفلام حمامة ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصري مثل (الحرام، دعاء الكروان، صراع في الوادي، وأريد حلاً).