ميادة سفر
تتصدر كتب ما يُسمّى «التنمية البشريَّة» قائمة الكتب الأكثر رواجاً ومبيعاً على مستوى العالم، واللافت أنّ تلك الكتب تحظى بإقبال وطلب كبير من فئة الشباب الباحث عن الربح السريع والشهرة السريعة بأقل جهد ممكن وبأبسط الطرق والوسائل، وهي تخاطب الإنسان كفرد بغض النظر عن المحيط الذي يعيش فيه، والوسائل المتاحة أمامه، وحتى بغض النظر عن مؤهلاته وقدراته، ويعتقد من يقرأ أي كتاب من تلك الكتب أنَّ الحل سيأتيه على طبق من ذهب وهو جالس في مكانه يحلم ويتأمل.
إذا كنت تعاني من مشكلة عاطفيّة مع الشريك، أو تبحث عن الثروة وتسعى لتأسيس مشروع يدر عليك أموالاً طائلة، أو ربما تمرّ بوضع نفسي صعب، لا تقلق «دع القلق وأبدأ الحياة» على حد زعم ديل كارنجي، لأنَّ ثمة عشرات الكتب التي تنتظرك على رفوف المكتبات لتغير حياتك، وتقدم لك تلك الوصفة السحريّة التي ستقلب حياتك رأساً على عقب، وتعيد بناءك من جديد وتضعك على الطريق الصحيح وفقاً لزعم أولئك الذي كتبوها وهم يقضون أوقات فراغهم في أحد المنتجعات.
يعتقد البعض أنّ كتب التنمية البشريّة ليست حديثة العهد، بل إنّ البعض يرجعها إلى تاريخ الفلسفة اليونانيّة كما يرى الكاتب آلان دو بوتون، الذي اعتبر أنَّ فلاسفة مثل سقراط وأرسطو وسينيكا وماركوس أوريليوس قدموا كتباً تحتوي على مساعدة ذاتية من مثل كتاب التأملات لأوريليوس أو كتب سينيكا عن «الإحسان» و»عن الغضب» أو «محاورات السعادة والشقاء» إلى غير ذلك من مؤلفات لكبار الفلاسفة الذين تركوا تراثاً عظيماً للبشريّة، غير أنّ تلك الكتب لا يمكن مقارنتها بأي حال مع ما ينشر اليوم من مؤلفات هي عبارة عن تجارب شخصية لمؤلفيها، عاشوا ظروفاً مختلفة كل الاختلاف عن ظروف قرّائها، فضلاً عن أنّ كتب فلاسفة العصور القديمة إنّما تمحورت حول معاني الحق والجمال والخير وسبل العيش بطمأنينة وسلام، بينما تركز كتب اليوم على الثروة والإنتاج أكثر من تركيزها على القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة، وهو انعكاس واضح على تغلغل رأس المال وتحول الإنسان إلى سلعة تعرض لتحقق أرباحاً أكثر.
على الرغم من تراجع نسب القراءة بشكل عام، إلا أنَّ تلك الكتب مازالت تلقى رواجاً كبيراً وتضرب أرقاماً قياسيَّة في المبيعات وتطبع منها عدة طبعات على مدار العام، فيما يتراكم الغبار على مؤلفات لكبار الفلاسفة والمفكرين التي من شأنها تغيير العالم ككل وليس الفرد وحده، من دون أن تمتدَّ إليها إلا أيدٍ قليلة جداً فيما لا تكاد طبعة من كتب تبيع الأوهام والآمال الزائفة أن تنفذ من المكتبات بسرعة كبيرة، من دون أية فكرة عن مدى قدرتها بالفعل على إيجاد الحلول الناجعة، أو إحداث التغيير المرجو، أو تعبيد الطريق للأشخاص الذين تعثرت حياتهم من كثرة المطبات، في ظل غياب أية دراسات أو إحصائيات عن الأثر الإيجابي أو السلبي الذي تتركه تلك الكتب، ونتيجة تراكم ضغوط الحياة لا سيما في بلادنا التي تعاني أزمة تلو الأخرى، وعجز الشباب عن إيجاد فرصة عمل، تمارس تلك الكتب ومؤلفوها دور القشة التي يتعلق بها الغريق.
من كتاب «قوة الآن» إلى «فن اللامبالاة» وصولاً إلى «الأب الغني والأب الفقير» و»نظرية الفستق» إلى غيرها من عشرات الكتب التي تخاطب بالأخص عقول الشباب كما أسلفنا، كلها تعد بحياة أجمل وأفضل، تكون فيها عزيزي القارئ أكثر نجاحاً في حياتك وأكثر ذكاءً في إدارة أعمالك وعلاقاتك مع الآخرين، ومن ثم سوف تغدو أشدّ بأساً وقوة وصلابة في مواجهة المشاكل والصعوبات التي تعترضك، من دون أن نتأكد من مدى فائدتها بالفعل، وهل تحقق ما هو معلن أم أنها مجرد حقن مخدرة ومهدئة لشباب وجد نفسه فجأة في معركة الحياة تتقاذفه يميناً وشمالاً، بلا عمل ولا أمل إلا بضع عبارات منمَّقة تغصُّ بها صفحات يلوذون إليها بحثاً عن الخلاص.