ارتفاع سعر الدولار.. رُبَّ ضارة نافعة

آراء 2023/01/10
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي

انخفاض قيمة العملة الوطنية لاي بلد، في الغالب ليس أمرا محدودا، اذ من شأن مثل هذا الانخفاض، لاسيما اذا كان حادا، أن يؤثر كثيرا في الحركة الاقتصادية والتعاملات التجارية، والمشاريع الاستثمارية، وقبل هذا وذاك، فإن أولى تداعيات قضية من هذا النوع، ستكون على الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود في المجتمع، وتكون التأثيرات السلبية اكثر عمقا،

اذا كان البلد يعتمد بنحو كبير على الاستيراد الخارجي، لسد حاجة السوق المحلية من المواد الغذائية والاستهلاكية، وسواها من المستوردات الاخرى، في ظل عدم وجود قاعدة صناعية أو انتاجية، يمكن ان تسهم في التخفيف من تلك التأثيرات.

وقد شهدت الكثير من البلدان مثل هذه الانهيارات المدوية في مستوى عملتها المحلية بالمقارنة إلى المقياس العالمي، وهو الدولار الاميركي، اذ واجهت تلك البلدان ظروفا صعبة تسببت بارتدادات سياسية واجتماعية وامنية شديدة، وصلت إلى حد سقوط الانظمة الحاكمة فيها، وغير بعيد من العراق، ما زالت كل من جارتنا الشمالية تركيا وجارتنا الشرقية ايران، تواجهان تداعيات انخفاض الليرة والتومان، بنحو دراماتيكي، ولكن الذى انقذ البلدين من حالة انهيار شديدة، هو توافرهما على بنى اقتصادية قوية، خصوصا في مجالي الزراعة والصناعة، واحيانا السياحة، ناهيكم عن حالة الاستقرار السياسي والامني، الذي منح الحكومتين هناك قدرة عالية على ضبط ايقاع حركة التعاملات التجارية، وايجاد حالة من التوازن في الميزان التجاري، مستثمرين ارتفاع نسبة الاستهلاك لدى بلدان اخرى مثل العراق، لتصدير منتجاتها اليها.

وفي الحديث عن قضية الساعة في العراق والتي تمثلت بارتفاع سعر الصرف خلال الاسابيع الماضية بعدة درجات اكثر من سعر البيع الرسمي، وعلى الرغم من أن هذا الارتفاع لم يصل إلى مرحلة الانهيار التي شهدتها بلدان الجوار، إلا أن ضجة عارمة شهدتها البلاد، بعضها كان سياسيا وآخر كان اجنداتيا وثالث كان خوفا حقيقيا، ورابعا كان خشية على الفقراء، وقد يكون الجميع محقين في ما تحدثوا به، لأن كل طرف من تلك الاطراف ينظر إلى المشهد من زاوية معينة، وبالتالي فإنه يرى غير ما يراه الاخرون، ولكن في 

المقابل فقد تسببت تلك الضجة، بخلق حالة من الارتباك والقلق لدى الناس عموما، وبين الأوساط التجارية خصوصا، بينما سعى اخرون إلى الاستثمار فيها بقوة.

وأنا هنا لا أدّعي أنني كنت مطمئنا وغير قلق، فالموقف كان يدعو إلى القلق فعلا، ولكن قلقي لم يكن جامحا، فهو يرتفع تارة وينخفض أخرى، أما لماذا لم يكن شديدا، فذلك لأني أعلم أن العراق اليوم هو في افضل حالاته المالية بعد أن لامس حجم الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة قرابة الـ(100) مليار دولار، وبالتالي فإن بلداً يمتلك هذا الحجم من الاحتياطي، بالاضافة إلى احتياطي الذهب، فإنه بالتأكيد قادر على مواجهة مثل هذه الازمة، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن ارتفاع سعر صرف الدولار، ربما جاء نتيجة للاجراءات التي اتخذها البنك المركزي لمعالجة الكثير من الاشكالات، التي شابت 

نافذة بيع العملة على مدى السنوات الماضية، هذه الاشكالات التي سهّلت خروج مليارات الدولارات إلى الخارج، بداعي الاستيراد، وهذا لاستيراد كان الكثير منه وهميا، والامر الثالث اعلان البنك المركزي الصريح انه مستعد وقادر على تغطية الاعتمادات المستندية الحقيقية لجميع الاستيرادات السلعية، وفي مقدمتها المواد الغذائية، والبتالي فنحن أمام فرصة ثمينة لمعالجة المشكلات البنيوية للسياسة النقدية في العراق، لضمان عدم مغادرة عملتنا إلى الخارج، وكذلك فإن تقنين الاستيراد، وحصره بالحاجة الفعلية لهذه المادة أو تلك، سيسهم في دعم الصناعة الوطنية، وتنمية القطاعات غير النفطية، وهذا يستلزم من الجهات ذات العلاقة، ضبط اجراءاته، خصوصا في ما يتعلق بمنح اجازة الاستيراد، وتوحيد التعرفة الجمركية، 

في جميع المنافذ الحدودية، لأن مثل هذه الاجراءات ستعضد جهود البنك المركزي، في معالجة واقع السياسة النقدية، خصوصا بعد اعلان المركزي عن وضعه انظمة عالمية متطورة، بامكانها رصد حركة الاموال الداخلة والخارجة من البلد، وفي ما اذا كانت تلك الاموال تتحرك بطرق سليمة أم 

ملتوية؟.