الإنسان والقيم الأخلاقيَّة

آراء 2023/01/10
...

   د.عبدالواحد مشعل

يعدُّ بناء القيم  الإنسانيَّة الطريق المؤدي إلى تحقيق الشخصية الايجابيَّة، التي تعطي للانسانية دون مقابل، وتفضي إلى تكوين بناء أخلاقي يضع الإنسان في المكان الطبيعي والتي حظيت بتكريم الله له، فالاخلاق تتعدى معانيها الدراجة إلى معانٍ ودلالات

تترجم أسباب وجود الإنسان بصفته معمرا للارض ومؤسس الحضارات ومبدع العلوم وتطبيقاتها التقنية في عالم احتلت فيه المعرفة التقنية الصدارة في انجازات الإنسان سواء في المجال الطبي ام الهندسي أو المعماري ام الخدمي متحديا ومنتصرا على ظروف بئية كان خاضعا لها ومضطرا في كثير 

من الأحيان تقدسيها، ونجاح الإنسان بهذا الانجاز التاريخي، لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى راقٍ، دون اقترانه بسمو أخلاقي وقيم إنسانية رفيعة، لذا درج المربون خلال التاريخ على وضع العلم والأخلاق في خطين متوازين، لا يستغني أحدهما عن الآخر كي يكون الإنسان انسانا ينبغي أن يرتقي بالمعرفة والقيم الاخلاقية إلى مستوى حضاري ينفرد به عن باقي المخلوقات، واليوم يشعر الإنسان العراقي في خضم أزماته المختلفة بحاجة إلى منظومة أخلاقية تترجم موروثه الثقافي والمعرفي، ابتداءً من تهذيب سلوكه اليومي في تعاملات المتنوعة، فحاجتنا لتلك القيم تزداد يوما بعد آخر، لتعطي صورة ناصعة عن ثقافة المجتمع في بيئاته الريفية والحضرية وفي مؤسساته المختلفة، فالأزمة الأخلاقية التي يعيشها الإنسان في كل مكان وضمه الإنسان العراقي مرتبط بالمتغيرات أو المستجدات العالمية المؤثرة في بنية ثقافته، كالعولمة وأطروحات حضارية أخرى نسمع عنها ونشاهدها يوميا عبر وسائل الاتصال المختلفة، لذا فإن جهود الدول اليوم منصبة على العمل على تحقيق مستوى متقدم من برامج التنمية المستدامة، بصفتها وسيلة منظمة للارتقاء بالإنسان على وفق جدول زمني محدد، لتقاس بعدها انجازات الإنسان التنموية، وصولا 

إلى نهضة اقتصادية مقترنة بقيم أخلاقية تشبع حاجات الإنسان أولا وترقي بانسانيته إلى مستوى حضاري راقٍ ثانيا، وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى أن الكائن الإنساني هو الكائن الوحيد، الذي يتحدد سلوكه بالقيم  الإنسانيَّة التي ترسم خريطة تعاملاته اليومية، فهو لا ينساق في سلوكه وتصرفاته الاجتماعية بالطريقة التي تسلكها الكائنات الحية 

الاخرى بخاصيتها الغريزية، إنما ينفرد الإنسان بالقيم الإنسانيَّة والارتقاء المعرفي كنتاج عقلي اختص به دون غيره، تكون لمؤساته التنظيميَّة الوسيلة التي يرتقي علميا وتحقق بها الابتكارات والانجازات العلمية مقترنة بتنشئة اجتماعية، تعزر فيه ذلك وترسم في وعيه صورة مثالية معبرة عن قيم مجتمعه المتوارثة خلال التاريخ، لتصل إلى الأجيال الجديدة، التي هي في أمس الحاجة اليها اليوم- لفهمها وإدراك قيمتها، وترجمتها بمنهاج يترجم ويفسر أطر المجتمع الأخلاقية، ويعمل على تطبيقها، وهو يمضي في محطات حياته المختلفة والمتنوعة، لتتخذ منه مكانا مميزا يتفق مع قيم السماء، لذا تعد المثل العليا أهم العناصر، التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى، والشيء الأساسي الذي يشغل عقل الإنسان المعاصر هو شعوره بانه يعيش عصر أزمة قيم، ولعل هذا من أكثر المخاطر التي تهدد وجوده الإنساني، وعليه فإنَّ تلك القيم  الإنسانيَّة ينبغي أن تأخذ شكلها ومضومنها الحقيقي في بناء إنسان قادر على تحقيق أنماط أخلاقية تعبر عن أصل رسالة الإنسان في هذه الدنيا، فإذا كانت المثل العليا أو ما يطلق عليها بالقيم المطلقة، هي التي ينبغي أن تبنى على اساسية القيم المجتمعية، فإنَّ دراستها وإدراك مراميها يحظى بصعوبة فهمها لعدم توفر الطرق والمفاهيم المناسبة لتحديد مدى تطابقها أو اختلافها عن حقائق الطبيعية البشرية، وبهذا المعنى فإن هناك حاجتنا لتحمل مسؤوليتنا في بناء قيم جديدة، لا يكون إلا بتحرر العقل العراقي من نمطية ثقافة تقليدية ونمطية اتكالية واندفاعية تقليدية، لقيم وافدة قد لا تفيد تقدم المجتمع بشيء، لذا يكون بناء نموذج علمي يستند لمفاهيم القيم الأخلاقية في المجتمع، من أجل تقديم صورة موجزة عن المعايير الثقافية، التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان المنتج في تفاعلاته الاجتماعية المختلفة، ويحصل هذا حينما يدرك الإنسان اهمية ارتباط أدواره الاجتماعية بالقيم  الإنسانيَّة، وادراك فائدتها وفاعليتها تجاه نفسه وأسرته 

ومجتمعه.