بريطانيا مترددة في البقاء بعيداً عن الاتحاد الأوروبي

بانوراما 2023/01/10
...

  كارلوس فريسنيدا

  ترجمة: حميد ونيس 


مع إطلالة العام الجديد، توقع زعيم المعارضة العمالية البريطاني كير ستارمر عدم العودة للتفاوض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إذا ما أصبح رئيسا لوزراء المملكة المتحدة، مشيرا الى أن ذلك يعني عدم العودة إلى السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي. واكد ستارمر في كلمة له مع أصحاب رؤس الأموال البريطانيين هذا الموقف بعد رفض رئيس الوزراء ريشي سوناك «النموذج السويسري» مؤخرا. 

وبذلك ظهرت بريطانيا مترددة في موقفها من الاتحاد الأوروبي، منهية الجدل حول إعادة التفاوض بشأن اتفاقية مغادرة الاتحاد الأوروبي بعد الكشف عن إمكانية وجود علاقة مع تجارة أقل احتكاكا مع الاتحاد، مع «الوصول الانتقائي» إلى السوق الموحدة والسماح بحرية الحركة مع دول الإتحاد.

ويعلق رئيس الوزراء سوناك على هذه الخطوة بالقول: لقد قمنا بالتصويت سابقا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انطلاقا من أن هذا الخروج سيجلب فوائد وفرصا كبيرة للبلاد، بدءا من السيطرة المناسبة على الهجرة وانتهاء بقائمة طويلة.. على الرغم من استياء رجال الأعمال من قلة العمالة في قطاعات الغذاء والنقل والصحة والسياحة.

ويبدو أن المملكة المتحدة  دخلت في حالة ركود، إذ كشفتها مداخلات سوناك وستارمر التي سبقها نقاش واسع حول ارتباط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالمشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وسط ظروف أسوأ من دول مجموعة السبع بحسب رؤية شركائها الأوروبيين السابقين.


رجال الأعمال

أما محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، فقد أثار الجدل بتصريحاته الأخيرة عن كونه محايدا شخصيا بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنه سيتخلى عن حياده عندما يتعلق الأمر بتوضيح الآثار الاقتصادية لهذا الخروج، بحسب وصفه. كما إن وزير الخزانة جيريمي هانت، الذي كان معارضا لمغادرة الاتحاد الأوروبي،  بات يحذر من الحاجة إلى «احتكاك» تجاري أقل مع بروكسل.

بدوره، يحذر مفاوض بريكست السابق ديفيد فروست من أن تفكر الحكومة في وضع هذه الخطط موضع التنفيذ، حيث جاءت استجابة سوناك الضعيفة للردود الأوروبية، مؤكدا أن الحكومة لا تنوي الاستمرار بعلاقة مع الاتحاد الأوروبي تتضمن الانسجام مع قواعد المجموعة الاقتصادية الأوروبية. أما زعيم حزب العمال البريطاني، ستارمر،  فيرى أن قراره بعدم إعادة فتح موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل بشكل رئيس استعادة الاستقرار الاقتصادي للبلاد، برؤية منفردة. كما أقر بأن الوضع الحالي «لا يضر بمصالح الشركات والصادرات والنمو البريطاني، لكنه الاتفاقيات الحالية تعمل بشكل أفضل. ويتقدم حزب العمال حاليا حزب المحافظين بفارق ٢٢ نقطة (٤٩ الى ٢٧ بالمئة) بعد هزة خروج ليز ترأس (رئيسة الوزراء السابقة)، برغم الانتعاش الطفيف مع صعود ريشي سوناك.

سويسرا ليست عضوا في منظومة الإتحاد الأوروبي، لكنها تحافظ على تواصل «انتقائي» مع السوق الموحدة من الخارج. وهي ليست جزءا من الاتحاد الجمركي أيضا، ولكنها تقبل مبدأ «حرية التنقل»، وحتى اختصاص محكمة العدل الأوروبية في مناطق محدودة. ويتم تنظيم علاقتها مع بروكسل من خلال ١٢٠ اتفاقية ثنائية عملت على إزالة جزء كبير من الحواجز التجارية.

يعكس استطلاع اجراه مركز ابحاث بريطاني أكبر فرق على امتداد ست سنوات بين مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومعارضيه. حيث اعتبر ٥٦ بالمئة من البريطانيين أن ترك الاتحاد الأوروبي كان قرارا خاطئا، مقابل ٣٢ بالمئة  قالوا إنه كان قرارا صحيحا. وشهدت لندن، لأول مرة منذ ثلاث سنوات، تظاهر الآلاف من البريطانيين أواخر تشرين الاول الماضي ضد الخروج، بينما تسبب قرار ستارمر بعدم تحدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حدوث انقسامات كبيرة داخل حزب العمال . لكن الحزب الليبرالي الديمقراطي (حزب صغير) يؤيد الانضمام إلى السوق الموحدة نظرا للتأثير الاقتصادي السلبي للبقاء منفردين.


رأي الاعلام

أحد أبرز رجال الأعمال، هو سايمن ولفسن، مدير شركة الأزياء المتعددة الجنسيات والعضو المحافظ في مجلس اللوردات، علق متذمرا بالقول: «هذا ليس الخروج الذي أردناه، فنحن بحاجة إلى نهج مختلف تماما للحصول على هجرة منتجة اقتصاديا للبلاد.» وفي الاتجاه نفسه، تحدث توني داركر، مدير شركة سي بي آي، مطالبا السياسيين بمقاربة «براغماتية» للانفتاح على الهجرة والتعامل مع نقص العمالة الذي «يخنق الاقتصاد».

ومن جانب آخر، دقت صحيفة فاينانشيال تايمز الجرس مؤخرا، من خلال فيلمها الوثائقي عن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على المملكة المتحدة . ووفقا للصحيفة الاقتصادية المرموقة، خلال السنوات الست الماضية، كانت هناك «مؤامرة سياسية للصمت» في مواجهة التأثير الحقيقي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي ظهر اخيرا بعد ميزانية ليز تراس المصغرة «الكارثية». ويتحدث العشرات من رجال الأعمال صراحة عن «تكلفة» مغادرة الاتحاد الأوروبي «مرتدين كمامات الوقاية» في ظل الوباء وحرب اوكرانيا . وبحسب مكتب مسؤولية الميزانية العامة للبلاد، كان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «تأثير سلبي كبير» مع انخفاض بنسبة ١٥ بالمائة في تدفق التجارة مع الاتحاد الأوروبي وانخفاض متوقع طويل الأجل بنسبة أربعة بالمئة في الإنتاجية. كما ساهمت الحواجز التجارية التي أنشأها هذا الخروج في زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة ستة بالمئة مع تفاقم أزمة تكلفة المعيشة.

عن صحيفة ديلي تلغراف