ذكرى تأسيس الجيش العراقي وقانون التجنيد الإلزامي

آراء 2023/01/11
...

 عبد الحليم الرهيمي

 مرت في السادس من شهر كانون الثاني الحالي الذكرى الثانية بعد المئة لتأسيس الجيش العراقي، في وقت يستمر فيه السجال الآن ومنذ سنوات حول قضية مهمة هي اقرار البرلمان لقانون التجنيد الالزامي أو قانون (خدمة العلم)، كما يفضل كثيرون تسميته. ففي هذه الذكرى السنوية يستعيد غالبية العراقيين هذه المناسبة بالأعتزاز والفخر لهذا الجيش، ودوره وبطولاته في المعارك والحروب الحقه التي خاضها دفاعاً عن العراقيين والعراق وسيادته الوطنية

باعتباره وفق قناعتهم يمثل (سوراً للوطن)، بما فيهم المعارضون لإقرار البرلمان لقانون التجنيد الالزامي الذين (يتصّيد) قسم منهم بعض الأدوار، التي قام بها الجيش ويعتبرونها أخطاء تحسب على الجيش كمؤسسة، وليست على قياداته السياسية التي أصدرت الأوامر، وهي جهات داخلية وأخرى إقليمية دولية لا تحمل وداً لهذا الجيش، والتي لا تريد ايضاً إقرار قانون التجنيد الذي يضيف كل عام دماء شبابية جديدة ترفد قوته وتدعم المساعي لتطوير عدته وعتاده وستراتيجياته المتطورة مع تطورات الوضع الداخلي والاقليمي والدولي وضروراته، وإذا كانت دولة الكويت تعارض تقوية الجيش مع دول خليجية اخرى فبسبب خشيتها منه أو ما يقال عن الكويت ينسحب ايضاً على ايران، التي تذّكر بغزو صدام لأراضيها عام 1980 بعد إلغائه لاتفاقية الجزائر عام 1975 مع شاه ايران السابق، اما تركيا فأنها تخشى من تقوية الجيش الذي يمكن أن يصد مطامحها ومشاريعها لاقتطاع جزء من أراضي العراقي الوطنية وتعرضها الدائم لسيادة العراق.. هذا في حين تخشى غالبية القيادات الكوردية العراقية من الجيش العراقي وتزايد قوته، وهي تعبر عن ذلك لتكرار الحروب التي شنت ضد الاخوة الكرد طيلة العقود الماضية.

والواقع أن ما يغيب عن وعي وتفكير هذه الجهات وخاصة الاقليمية هو أن العراق كدولة مستقلة وذات سيادة من حقه، مثل كل دول العالم أن يكون له جيش وطني قوي يدافع عن شعبه وسيادته ضد أي عدوان خارجي ومن حقه بالتالي تقوية هذا الجيش بالعدة والعدد والتجهيز بأفضل المعدات المتطورة، ولذلك فهو غير مسؤول عن تهديدها أو العدوان عليها، انما المسؤول الوحيد هو القيادات السياسية التي تقود وتوجه هذا الجيش، وبالتالي فإن السعي لإقامة العراق وهذه الدول أفضل العلاقات الودية على أساس المصالح المشتركة وحل الخلافات، التي تبرز بين العراق وأي من هذه الدول بالحوار والتفاهم، لأن الحروب والاعتداءات لا توصل إلى النتائج التي يتوصل اليها الحوار والتفاهم والمفاوضات الجادة والمسؤولة والاستفادة من كل تجارب الصراعات أو الحروب السابقة، بترجيح منطق الحوار والتفاهم، الأمر الذي يؤدي إلى تبديد معظم الشكوك والنوايا السلبية لهذه الدول وللعراق تجاه بعضها البعض الآخر، وهو الأمر الذي يبدد المخاوف من الجيش العراقي ورغبة حكوماته المتعاقبة لتقويته وتطويره ومنها اقرار قانون الخدمة الالزامية. اما مخاوف وخشية الأخوة الكرد من الجيش العراقي وتقويته، فهي مشروعة وحقيقية من حيث المبدأ، لكنها لن تكون كذلك بالتعبير عن الرغبة في حل هذا الجيش ومنع تقويته وتطويره، فهي رغبة غير مشروعة وغير ممكنة التحقيق، لذلك فإن الانتقاد والرفض يجب ان يتوجه إلى القيادات السياسية لا العسكرية، التي تصدر الاوامر بالحرب والمعارك ضد الكرد في مناطقهم ثم في كردستان العراق تالياً، ولا توجه إلى الجيش كمؤسسة إنما لأفراد أو ضباط يرتكبون أعمالاً مدانة لتبقى صورة هذا الجيش جيدة ومقبولة. عدا ذلك فإن الجيش في حالة تفاهم القيادات السياسية العراقية والكردية والحوار والتفاهم يسفر دائماً عن شعور الكرد بالاطمئان بأن الجيش العراقي، هو جيشهم وأن تقويته وتطويره لمصلحة العراق مثلما هو لمصلحتهم، ولعل مناشدات القيادات الكردية للدفاع عن كردستان العراق، ارضاً وشعباً لمواجهة الاعتداءات الاخيرة والقصف المدمر ضدها من الجارتين ايران وتركيا تؤكد حقيقة أن الجيش العراقي هو لكل العراق، بما فيهم شعب وارض كردستان العراق، وهذه التجربة تصلح لأن تكون المثال المناسب، الذي يمكن العمل به في السنوات والعقود المقبلة. وإن أحد الامثلة على ذلك ايضاً هو عدم اعتراض القيادات الكردية مثلاً على إقرار قانون التجنيد الإلزامي لتقوية الجيش ومده بالشباب والدماء الجديدة.

لذلك فان اتخاذ مواقف ودية من الجيش العراقي من قبل دول الجوار الاقليمي بعد إقامة العلاقات الودية بين هذه الدول والعراق سيكون لمصلحة الجميع.

وهكذا يمكن أن تشكل المواقف الودية للاخوة الكرد تجاه الجيش باستمرار وتقوية العلاقات الودية مع الحكومات الاتحادية في بغداد سيكون ايضاً لمصلحة جميع العراقيين، وخاصة ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان. 

ومن ذلك نخلص إلى القول إن وجود الجيش العراقي وتقويته ورفده بالدماء الشابه بإقرار قانون التجنيد الالزامي بمناسبة الذكرى الثانية بعد المئة لتأسيسه، هو تكريم وتقدير كبيرين للجيش العراقي وبطولاته في المعارك الحقة دفاعاً عن العراقيين والعراق.