بغداد: الصباح
"لبعض السفر أحتاجك" عنوانُ كتابٍ صدر حديثاً عن دار النهضة العربيّة في بيروت، يضمّ قصائد للشاعر الراحل خالد الأمين جمَعها وقدّم لها، الشاعر والفنان التشكيلي العراقي علي البزّاز، مع شهادات لعبد الرحمن طهمازي، عبد الرزاق رشيد الناصري، أحمد الباقري، عبد الحسين الهنداوي، عزيز عبد الصاحب، سناء عبد القادر مصطفى، عقيل حبش وفاضل عباس هادي. كما يضمّ الكتاب مجموعة من الصور الفوتوغرافية للشاعر الشهيد وقصائد بخط يده تنشر للمرة الأولى.
من المقدّمة: انشغلتُ بجمعِ أرشيف الشاعر خالد الأمين أزيد من عشرين عاماً، فتعرّفت في أثناء ذلك، إلى أشخاص متعدِّدون وإلى وعودٍ متعدِّدةٍ، أدّعوا بامتلاكهم قصائد ومقالاتٍ له، لكن للأسف لم يفوا بشيء يُذكر!! وكأنّ يُرادُ للسرِّ أن يبقى في سرٍّ ثانٍ وفي طبقاتٍ منه منطوياً على تخفٍ وخوفٍ من العلن. وربّما سيأتي أحدٌ ما، وينشر ما لديه من تراث الشاعر، فيتوّج سعادتنا بسعادات أخرى. فماذا يريد الشاعر الذي لا قبر له؟
ولد خالد محمود أحمد الأمين في العام 1945 في مدينة الناصرية وعاشَ فيها. انتمى إلى تنظيم "القيادة المركزية"، المنشقّ عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الذي قادَ حركة "الكفاح المسلح" في أهوار الناصرية ضدّ حكم البعث في العراق، وفشلت الحركة يومذاك.
اعتقلَ خالد الأمين ثانيةً في الناصرية من قبل الأمن العراقي، وسجن في معتقل "قصر النهاية" سيئ الصيت، ولُقّب بذلكَ الاسم لأنّ كلّ مَنْ يدخلُ إليه، لا يخرجُ منه إلّا ميّتاً. بعد ذلك تضاربتْ الآراء حول ظروف اعتقاله ومصيره المأسوي (ثَمّة روايات كثيرةٌ في هذا الأمر، لكنّها للأسف لم توثّق، ولم يُتّفق على صحتها).
الأمر الأكيد هو استشهاد خالد الأمين تحت التعذيبِ المفرط، وهو الكائن الرقيق، رقّة التربة العراقية، التي تتحمّلُ الأهوال والمصائب، على رغم تكوينها النضر. لم يُعثر على جثمانِه لغاية الآن، وهكذا، تطابقَ مصيره مع مصائر الكثير من أبطال التراجيديا الإنسانية، لكن بصورة أشدّ وأقسى.