تاج الدين الآوي.. العالم والمصلح الديني

ريبورتاج 2023/01/15
...

  عامر جليل ابراهيم

يقع مرقد العالم الديني تاج الدين في محافظة واسط، بقضاء العزيزية في ناحية تاج الدين (الحفرية سابقاً) وعلى ضفة نهر دجلة، ويبعد عن مركز المحافظة بمسافة 110 كم تقريباً وعن بغداد بنحو أكثر من 60 كم، في منطقة زراعية وتحيط به البساتين من كل الجوانب، ومن الملاحظ أن الزوار يتوافدون على المرقد بشكل كبير، لا سيما في مواسم الزيارة والمناسبات الدينية تبركاً به وشفاعة عند الله لقضاء حوائجهم، وهو صاحب كرامات كما يعتقدون.

عمل تاج الدين على مواجهة الجهل والتخلف، ومحاربة الفساد والانحراف الأخلاقي الذي عانت منه البلاد بشكل كبير إبان الغزو المغولي للعراق.

جريدة "الصباح " زارت هذا المكان الذي لا يعرفه أغلب العراقيين والتقت بالأمين السابق للمرقد الشريف الشيخ نصر الدلفي.


اسمه ونسبه

يقول الشيخ الدلفي: يعود نسب السيد تاج الدين إلى الإمام علي (ع)، وهو من مشاهير علماء المسلمين، وخطيب واعظ، تزوج من ابنة عمه رضي الدين وله منها ولدان وبنت، حسين الملقب بشمس الدين وعلي ويعرف بـ بشرف الدين، وأحد أولاده اسمه محمد وهو من تولى المشهد الغروي، حرم الإمام علي (ع) آنذاك حتى وفاته. 


سيرته

يقول سماحة الشيخ: "ولد السيد تاج الدين في مدينة الكفل، في النصف الأول من القرن السابع الهجري، وعاش في زمن السلطان العثماني (غازان ارغوان خان) الذي عرف باسم السلطان محمود بعد اسلامه سنة 649 هـ، والسلطان أولجياتو خدابنده، الذي قرب السيد تاج الدين وولاه نقابة الممالك (العراق، والري وخرسان وفارس)، وكان السيد تاج الدين عابداً تقياً.

ويتابع الشيخ الدلفي: كان لتاج الدين الأثر الكبير، في تشيّع السلطان محمد الجياتو، إذ كانت له محاورات مع علماء المذاهب الإسلامية الأخرى، يرافقه العلامة الحلي في حضرة السلطان وكانت حواراته تدهش العقول، فجعلت الجياتو يعلن مذهب أهل البيت المذهب الرسمي للسلطنة وضرب النفوذ بأسماء الائمة الاثني عشر (ع).

ويضيف سماحة الشيخ: قام السيد تاج الدين (رض) بإقامة صلاة الجمعة والجماعة في مسجد النخيلة المجاور لمرقد النبي ذي الكفل "ع"، عندما كانت أسواره لا تزال موجودة وقد بنى فيه محراباً للصلاة، ومنبراً في المكان الذي كان يخطب منه الإمام أمير المؤمنين (ع)، في معركة صفين، كما أصدر السيد تاج الدين (رض) أمراً بمنع اليهود، الذين كانوا يحيطون بمرقد النبي ذي الكفل ويزورونه من الدخول، إلى المرقد عن طريق المسجد حفاظاً على حرمة وقدسية المرقد، وأشار عليهم بالدخول من الباب الغربي الذي هو طريق الدخول الرئيس للمرقد، الأمر الذي حرك حقد اليهود عليه، فاستعانوا بالوزير شهاب الدين، الطبيب المعروف برشيد الدين الذي كان مقرباً جداً لليهود لقتله وأعانته على ذلك رغبات المتعصبين في الخلاص منه.

وقد خططوا لقتله بأيادٍ علوية، من البيت الذي ينتسب إليه حتى تظهر المسألة بصورة تصفية حسابات للحصول على المناصب، وكان الهدف الحقيقي هو تجنب غضب السلطان الجياتو وبالتالي قتله لقتلة السيد تاج الدين الحقيقيين.

قام رشيد الدين بعرض ذلك على بعض العلويين، فرفضوا قتل السيد تاج الدين حتى وجد من يتكفل بالمهمة، وهو جلال الدين ابراهيم، مقابل منصب نقابة الممالك بدلاً من تاج الدين.


حملات إعمار

ويؤكد سماحة الشيخ الدلفي أن تاج الدين قد قتل مع ولديه شرف الدين وشمس الدين في سنة 711 هـ، من قبل أعوان جلال الدين ابراهيم بن المختار ومثلوا بأجسادهم، ويصف الشيخ الدلفي المرقد قائلاً: "تبلغ مساحته الكلية 8 دوانم بعدما كانت في السابق (6 دوانم) منها (2500م) مساحة المباني الكلية، أما بناء الحرم فيصل إلى (500م)، تعلوه قبة شامخة مزخرفة بـ(الكاشي) الكربلائي ويغطي القبر شباك من النحاس والكروم، إضافة إلى مئذنتين ارتفاع الواحدة 27م مزخرفتين أيضاً بالكاشي الكربلائي والنقوش الإسلامية".

ويؤكد سماحته أنه تم العثور على قبر تاج الدين عام 840هـ ، إذ كان مكتوب على صخرة هذا قبر السيد تاج الدين، وولديه شمس الدين وشرف الدين.

وفي 17 كانون الثاني عام 2017 تسلم الدلفي إدارة المزار، فيقول: "عملنا على التوسعات في المرقد، ومنها الاهتمام بالمئذنة التي يبلغ طولها 27م وهذا العمل بإشراف الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة، التي أطلقت كلمة نحتاج إلى (حشد لإعمار المزارات)، والآن بالفعل هناك إعمار وتوسع من الشمال إلى الجنوب".


مضيف كبير

تم فتح مضيف السيد تاج الدين لتوزيع الطعام، بين الزائرين وستكون المرحلة المستقبلية وفقاً للدلفي مخصصة للتخطيط العمراني، إذ وعدت الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة، ببناء الصحن والأواوين وتم أخذ الموافقة من القسم الهندسي في الأمانة العامة للمزارات، لإرسال لجنة هندسية كي تبدأ المباشرة بالعمل، ومن ضمن الخطط المستقبلية بناء مضيف للزائرين وداري استراحة وضيافة أيضاً ومتنزه عائلي، لأن هنالك أرضاً متروكة تابعة للمزار ويجب أن تستغل وتستثمر. 


نشاطات ثقافيَّة

يشهد مرقد تاج الدين دورات للقرآن الكريم، فضلاً عن النشاطات الثقافية والمجالس الحسينية وغيرها من المناسبات، وبحسب الدلفي فإن المزار كان يخلو من القارئ والمؤذن وبفضل هذه الدورات اكتشفت مواهب شابة ومهمة في هذا المجال.

وخلال تجوالنا في المرقد الشريف التقينا الأستاذ وسام نذير الدلفي الأمين الخاص للمرقد الذي قال: "كل المعلومات التاريخية عن السيد تاج الدين، ونسبه الشريف وقصة استشهاده مع أسرته، ودور اليهود في ذلك، وصفاته وشجاعته في مواجهة المغول الغزاة، ثم قوته في مواجهة اليهود عندما أفصحوا عن أنفسهم، وصولاً لاستشهاده على يد جماعة منهم، تكاد تكون جزءاً بسيطاً من سيرة هذا العالم الجليل الذي أضاف الكثير إلى المذهب الإمامي الجعفري، في الناحيتين السياسية والإدارية والمساعدة في الحصول، على حقوقهم المشروعة في إدارة شؤونهم الخاصة، فضلاً عن شؤون الدولة الإسلامية، ومواجهة الجهل والتخلف ومحاربة الفساد والانحراف الأخلاقي، الذي عانت منه البلاد في تلك الفترة.

وأكمل الدلفي: "بعد تسلمنا مهام إدارة المزار الشريف في 18 نيسان عام 2022عملنا على صيانة وترميم المزار، وفتح مساحات واسعة لتهيئتها كحدائق وعمل قواطع حديدية مؤقتة، لتحديد المزار كونه يقع في منطقة زراعية وأعمال حدادة، وصبغ واجهة المزار وحضرة النساء والرجال والصحن الطاهر، فضلاً عن تغليف المنارات بالكاشي الكربلائي والذي أنجز خلال الفترة الماضية قبل عام تقريباً، هذا على مستوى الإعمار أما على صعيد الأنشطة والخدمات، فقد تم فتح هيئات ومواكب وروابط تطوعية تعزز المزار في المناسبات الدينية الكبيرة، وكذلك تعمل على نشر الثقافة الدينية والحسينية والعلوم الحوزوية، وتم فتح مضيف سيد تاج الدين لإطعام الزائرين كل ليلة جمعة، وتقديم أكثر من ألف وجبة خلال الأسبوع وعمل الكثير من النشاطات الدينية والمؤتمرات العلمية، وآخرها كان مؤتمر (السيد تاج الدين) وتاريخ مرقده بالتعاون مع جامعة واسط، كلية العلوم الإنسانية قسم التاريخ، وبمشاركة أكثر من 50 باحثاً من مختلف محافظات العراق وتم تأليف كتاب تحت هذا العنوان، كما تمت إقامة حفل تأبيني بذكرى استشهاد السيد تاج الدين في هذا العام لستة أيام متتالية وبمستوى عالٍ تحت عنوان مهرجان (ناصر المذهب تاج الدين الآوي)، وتمت إقامة العشرات من المحافل القرآنية والمجالس الحسينية، ونعمل في الوقت الحاضر على إكمال المخططات الهندسية التي تشرف عليها جامعة واسط كلية الهندسة، بتوجيه من قبل الأمانة العامة للمزارات الشيعية لعمل التصاميم المعمارية والإنشائية للحضرة الطاهرة والايوانات الخارجية.


زيارة مليونيَّة

ويوضح الأمين الخاص للمرقد وسام الدلفي أنه في هذا العام شهد المرقد زيارة مليونية في ذكرى استشهاد الرسول محمد (ص)، تعد الأولى من نوعها، إذ عملت الأمانة الخاصة، على توفير أفضل الخدمات للزائر الكريم وتم استقبال أكثر من مليون زائر، واستمرت الزيارة منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل وتم دخول أكثر من 40 موكباً خدمياً داخل صحن المزار، وتم عمل مشهد مسرحي حول حياة الرسول الأكرم محمد (ص) وعمل معرض فوتوغرافي، ولوحات فنية ومحفل قرآني ومحاضرة دينية، كما تم توزيع أكثر من 5 آلاف وجبة طعام في مضيف السيد تاج الدين خلال الزيارة.