ستار جبار رحمن: المجتمع المدني حلقة أساسيَّة في منظومة حماية التراث
حوار: نيكي أناستاسيو*
بمناسبة انعقاد مؤتمر المركز العلمي الدولي الثالث الموسوم “تراث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. تحديات الزوال ومهام الحفاظ على الهوية” في 25 فبراير 2023 في تونس الذي ينظمه المركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط وهو مؤسسة بحثيَّة فاعلة، يهتم بالدراسة العلمية لقضايا الشرق الأوسط المختلفة من أجل دراسة التحديات التي تواجه النمو والديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط من أجل دراسة التحديات التي تواجه التنمية المستدامة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
يعمل المركز الأوروبي بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث الأخرى والمنظمات غير الحكوميّة والمؤسسات التعليميّة والمنظمات الدوليّة والمنظمات المحليّة.
تأسس المركز من قبل المفكر العراقي ستار جبار رحمن، المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط، وهو مستشار وباحث في الهيكل الاجتماعي والسياسي والثقافي، والتحولات الاجتماعيّة والسياسيّة الحديثة في الشرق الأوسط، وحقوق الإنسان. وقضايا المرأة والبيئة. لذا كان لنا هذا اللقاء مع حضرته لتسليط الضوء على المواضيع التي يتبناها المؤتمر وأبرز القضايا بشأن الموضوع.
* بالنسبة لكم ما هو البلد الذي ينتمي للمنطقة ويعد تراثه المادي الأكثر عرضة للمخاطر في الوقت الحاضر نتيجة للصراعات الجارية فيه؟
- هناك عاملان يحددان الإجابة، الأول يرتبط بحجم ذلك التراث فكلما كان التراث المادي كبيرا ومتنوعا كانت الخسائر أكثر لا سيما أن دول مثل العراق واليمن وسوريا من الدول، والتي تضم تراثا ماديا غزيرا وعريقا ومتنوعا. والعامل الثاني هو حجم واتساع ونوع تلك الصراعات، فالصراعات المحدودة لا تشكل خطرا كبيرا، وإنما تكون أقل ضررا من الصراعات الموسعة جغرافيا والطويلة زمنيَّاً. فضلا عن ذلك فإنَّ بعض الصراعات تنطلق من منطلقات أيديولوجية رجعيَّة ظلاميَّة تكفر التراث المادي فتستهدف التراث بشكل مباشر كما حدث في أفغانستان عند سيطرة طلبان في آذار 2001 وما قام به تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا من استهداف ممنهج للمواقع التراثيّة، تلك الحوادث تختلف عن أضرار تقع على المواقع التراثية كنتيجة عرضية عن الصراعات والتي يكون فيها الضرر أقل بكثير، لا سيما يمكن بذل جهود للحد من الأعمال العسكرية في مناطق محددة بالتوازي مع الجهود لإحلال السلام الدائم.
* إلى أي درجة برأيك يستطيع المجتمع المدني في المنطقة حماية هذا التراث المادي؟ وما هي التحديات التي سيواجها في ذلك؟
- المجتمع المدني حلقة أساسية في منظومة حماية التراث، ويمكن أن يكون مسهماً حقيقياً في حماية التراث من خلال توظيف المبادرات التطوعيَّة وشبكات الاتصال بالمجموعات المحليَّة وبالعديد من المهتمين بهذا الشأن، وهو بذلك يواجه تحديات القوانين والقواعد التي تنظم عملية وإمكانية إيجاد دعم او تمويل لنشاطه.
*هل تمتلك البلدان العربية تشريعات فعالة للحفاظ على التراث؟ وماهي سبل تعزيزها؟
- رغم وجود تقدم ببعض الدول، فإنَّ هناك تفاوتا ملحوظا بالنسبة للتشريعات التي تنظم الحفاظ على التراث، إلّا أنّها ما زالت لا ترتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه التراث بالمنطقة العربيَّة، لا سيما أنَّ هناك دائما فجوة كبيرة بين المستوى التشريعي والجوانب التطبيقيَّة في البلدان العربيَّة، وهذا الأمر يعود لضعف الرقابة على الأداء الحكومي وتهميش دور المجتمع المدني والإعلام المستقل.
*ما هي الطرق الممكنة لرفع التوعية لدى المجتمع المدني في ما يتعلق بأهمية الحفاظ على التراث المادي؟
- المجتمع المدني ينشأ من خلال الصراع الداخلي في المجتمع والتعبير عن مصالح وقناعات وتوجهات الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعيّة، أي أنّه تطور فوقي للصراع الاجتماعي والذي يمكن ايجاده وفسح المجال له بحرية لينمو، وتقع مسؤولية الدولة على فسح ذلك المجال من خلال التشريعات والتنسيق بين المؤسسات ليسهم المجتمع المدني في ممارسة دوره.
وأعتقد أن المجتمع المدني هو الأكثر قدرة على رفع الوعي بأهمية الحفاظ على التراث أي أنه الفاعل بالتوعية وليست المتلقي، من خلال قدرته على متابعة الإجراءات الحكومية ورصد الجوانب السلبية وإدارة المبادرات التي تكون بعيدة عن البيروقراطية الحكومية.
* إذا أخذنا في الاعتبار التنوع الديني والعرقي الذي يُميّز شعوب المنطقة فهل ترون هذا الأمر قد يضعف أي حملة أو إجراءات أو مبادرات هادفة لحماية التراث المادي؟
- بالعكس تماما أن التنوع العرقي والديني لمنطقة الشرق الأوسط يسهم في حماية ذلك التراث لأنّها توفر جماعات محليّة مختلفة ترتبط روحيا او تاريخيا بذلك التراث؛ لذلك يمكنها أن تسهم في جهود الحفاظ على التراث المادي، لا سيما إذا ما بذلت الدولة جهودا ومن خلال مؤسسات الرسميّة والمؤسسات الدوليّة والإقليميّة المعنيّة بالتراث لدعم مؤسسات المجتمع المدني المحلية للجماعات العرقية والدينية المعنية بالتراث.
وسيشكل هذا النشاط جزءا من التعبير عن الهوية الذاتية للمجموعة، مما يجعلها أكثر نشاطا وحرصا على إيجاد السبل الكفيلة بالحفاظ على تراثها الخاص ومن ثم المساهمة في الحفاظ على جزء من تراث
الإنسانيَّة.
* بعد ما دمّرت داعش الارهابية الكثير من الآثار الموجودة في المنطقة هل ترى الآن احتمال حدوث مثل هذه الاعتداءات مستقبلا من قبل مجموعات إرهابية
أخرى؟
- لا أستبعد حدوثه فما زالت المنطقة هشة أمنيَّاً، مما يضع ضمن الاحتمال حدوث أعمال مشابهة من قبل جماعات تكفيريَّة مثل داعش تستهدف التراث الإنساني او نتيجة لصراعات وراءها أسباب أخرى قد تندلع في
المنطقة.
* ما هي توقعاتك بشأن هذا المؤتمر؟، ما ستكون النتائج التي سيؤدي إليها من الناحية الأكاديميّة والواقعيّة بشأن الحفاظ على التراث المادي في منطقة الشرق
الأوسط؟
- نعمل على عقد المؤتمر في أجواء اكاديميّة رفيعة المستوى وستكون هناك مناقشات للبحوث ودراسات التوصيات التي سيقدمها الباحثون، والتي ستكون في متناول المؤسسات المعنية بالتراث للعمل على تفعيلها، كما سنعمل على التنسيق مع جميع المؤسسات التي تسعى للاستفادة من هذا النشاط الأكاديمي.
* ما هي التحديات المتعلقة بتنظيم مؤتمر مماثل؟
- مؤتمر المركز الأوروبي العلمي الدولي الثالث: تراث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تحديات الزوال ومهام الحفاظ على الهوية تونس 25- 26 شباط/ فبراير 2023 سيعقد بجهود ذاتية للمركز الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط من دون أيِّ دعم من أي مؤسسة إقليميّة او دوليّة معنية بالتراث، لهذا سيحول من دون مشاركة بعض الباحثين لعدم توفر الدعم الكافي لتغطية مشاركاتهم.
* ما هي المشاريع والبرامج التي يعتزم المركز تنظيمها بعد عقد المؤتمر؟
- نخطط لتنظيم شراكات واسعة مع المؤسسات الإقليمية والدولية والمحلية المعنية بالتراث وجعل المؤتمر مناسبة سنوية دورية يشارك فيه جميع المعنيين بالتراث للمساهمة في وضع الخطط ودراسة الآليات الممكنة للحفاظ على التراث.
كما يدرس المركز إطلاق جائزة سنوية تقدم لمبادرة ممتازة تسهم في حفظ التراث المادي واللامادي والتي من خلالها نسعى لتشجيع النشطاء ومنظمات المجتمع المدني لتفعيل مبادرات ناجعة في نفس هذا الاتجاه.
*الصحفي والباحث بشؤون
الشرق الاوسط الايطالي