هوس التجميل.. صراعَُ نفسيٌّ وتقليدَُ لا ينتهي

ريبورتاج 2023/01/25
...

 مينا القيسي

أصيبت الشابة المقبلة على الزواج شروق سعد (26 عاماً) بالصدمة عندما نظرت إلى المرآة بعد استيقاظها صباحاً لتجد أن وجنتيها منتفختان، وممتلئتان بالورم الدموي، ما سبب لها ألماً لا يحتمل، لذلك سارعت مذعورة صوب مركز التجميل الذي حقنت عنده مادة الفيلر، لكنها قوبلت بالتجاهل وعدم الاستقبال.

وتوضح شروق أنها ومنذ ذلك الحين، تراجع الأطباء باستمرار حتى بلغ عدد العمليات الجراحية التي أجرتها ثلاثة، واحدة علاجية واثنتان للتجميل، أملاً منها بأن تعيد جزءاً بسيطاً من جمالها الطبيعي الذي كانت تملكه قبل أن تتجه نحو عالم الحقن والتجميل، وتتابع شروق حديثها قائلة: "إن رحلتي في استرداد معاني وجهي باتت تزداد صعوبة يوماً بعد آخر، لأن المادة التي تم حقني بها مسبقًا تبين أنها منتهية الصلاحية، ما سبب لي تشوهاً بالغ السوء وأصبحت عملية إخراج هذا السم من أنسجة وجهي أمراً صعبًا، لأنني وقعت تحت يدٍ تدعي التخصص". 


مراكز غير مرخصة

تكثر المراكز الوهمية في مناطق معينة أكثر من غيرها في العاصمة بغداد، كمنطقة المنصور وزيونة والكرادة وشارع فلسطين، والكثير منها تدار من قبل حملة شهادات مزورة وأغلبها مرتبطة بشخصيات متنفذة. ولهذا من غير المستغرب أن السنوات الأخيرة شهدت انتشاراً مريباً في أعدادها، لكون القطاع التجميلي أصبح رأسمالياً، وصار يُعد من المشاريع الربحية الكبيرة ومن السهل الاستثمار فيه. 

وضعت وزارة الصحة قوانين وضوابط طبية صارمة، تنظم عمل هذه المراكز وحصرت دورها باختصاصين وهما طب الأمراض الجلدية والجراحة التجميلية، ولهذا يجب على أي طبيب تجميل يمتلك عيادة، أن تكون لديه موافقات أصولية للعمل في مجال التجميل. 

وبحسب التقرير الصادر مؤخراً عن نقابة الأطباء، فإن هناك أكثر من 400 مركز تجميل غير مجاز في بغداد لوحدها وتم إغلاق إلى الآن ما يقرب من 190 مركزاً غير مستوفٍ للشروط المطلوبة، و هناك فوضى في عمل مراكز تجميلية كثيرة.

تقول الشابة التي أطلقت على نفسها اسم سارة وهي مالكة سابقة لمركز تجميل غير مرخص: "إنها كانت تعمل كحلاقة نسائية في صالون صغير بإحدى المناطق الشعبية، ثم تعلمت كيف تجري عمليات الحقن وأسماء المواد وتفاصيل أخرى، مكنتها من أن تفتتح صالوناً ثم مركزاً". علماً أنها افتتحت أول مركز تجميلي لها في إحدى المناطق التجارية، ثم بدأت بالانتقال إلى مناطق مختلفة كلما شعرت بخطر الفرق التفتيشية، ولذلك انشأت بعدها حسابًا على موقع الانستغرام وصار لديها الكثير من المتابعين الذين يلقبونها بـ (الدكتورة) رغم أنها لا تمتلك شهادة جامعية.

وتكشف (مروة) (30 عاماً) ربة منزل أن لسوء ظروفها الاقتصادية، اضطرت إلى اللجوء لفتاة تقوم بعمليات الحقن بنظام الأقساط، فكما هو معروف عن مواد الفيلر والبوتكس، أنها عالية التكلفة، وبحسب قولها فإن تلك الفتاة لا تمتلك مركزاً تجميلياً أو  صالونًا، بل اكتفت بأخذ بعض دورات التجميل لدى معاهد غير رسمية. وبحوزتها حقيبة يد متوسطة الحجم، فيها كل الأدوات الطبية التي قد تحتاجها أثناء عملية الحقن، أما بالنسبة للمواد، فتارة توفرها هي عن طريق توفيرها من المراكز غير المرخصة، وتارة تطلب من الزبونة شراءها بنفسها. ثم تقوم بحقن الفتيات داخل البيوت.  

نصائح وتعليمات

يوضح المختص بالأمراض الجلدية، جراحة وتجميل الجلد والليزر، الدكتور علي السندي أن هناك أنواعاً من الفيلر  تحتاج إلى طرق معينة للعمل بها وبحسب السندي "فإن هنالك فيلر للوجه وآخر للجسم، وإذا ما تم حقن الخاص بالجسم في الوجه  أو حصلت أي مشكلة في عملية الحقن، وهذا ما تفعله أحياناً الصالونات والمراكز غير المرخصة، فهذا سيسبب أزمة مرضية وتشوهاً لا خلاص منه، وتصلب المنطقة المحقونة مع ظهور تكتلات لعدم تجانس المادة مع الأنسجة، وينتج عن ذلك أما عبوس دائم أو صعوبة في الضحك ونطق الكلمات". 

و تابع السندي أنه في حالة دخول أي مادة كيميائية طبية منتهية الصلاحية إلى الجسم، فإنها ستؤثر سلبًا في الكثير من الأعضاء مثل الالتهابات والتورم والاحتقان والتجمع البكتيري وحتى التسمم، ما يستدعي تداخلات جراحية أصعب ومكلفة مادياً ومعنوياً للمريض. 

وفي ما يتعلق بالمنافسة القائمة بين المراكز، يقول: "عندما يقوم مركز ما بتخفيض حاد لأسعار المواد، سيزداد إقبال المراجعين عليه، وهو بذلك يقوم بعمليات احتيال على هؤلاء الناس، مستغلاً جهلهم بخلفيات وتفاصيل العمل، ونتيجة لذلك تكثر حالات النساء المتضررات جراء تعرضهن لحقن مادة تالفة وسيئة المنشأ، بسبب عدم مراعاة حفظ المواد بخزانات خاصة تعمل على حمايتها من عوامل درجة الحرارة والزمن ولضمان بقاء المادة بكفاءة عالية بعيداً عن التلف والضرر".


صراع الجمال

ولمعرفة الدوافع النفسية التي تدفع الشخص إلى تغيير شكله باستمرار، التقينا أستاذ علم النفس في جامعة بغداد، الدكتور أحمد كامل، الذي أشار إلى أن كثرة إجراء العمليات التجميلية تشبه الإدمان وهو اضطراب نفسي يرتبط بإحساس الشخص بوجود تشوه في جسده، ما يزرع بداخله هوساً بشأن المظهر، إذ يرى عيوباً في جسده طوال الوقت سواء كانت حقيقية أو من وحي الخيال، وقد يصل هذا الهوس بالمظهر إلى إيقاف بعض الأشخاص عن ممارسة حياتهم بطريقة صحية. 

وبحسب كامل فإن المصاب بهذا الاضطراب يرى أن العمليات التجميلية هي الحل السحري الذي يصلح عيوب جسده التي تزعجه، لكن للأسف الجراحة التجميلية لا تعالج هذا الاضطراب، بل تجعله أسوأ، لأنها تستمر دون توقف. مبيناً: أنه بالرغم من أن الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يعتقدون أن العمليات التجميلية هي الحل الأمثل لهم، إلا أنهم يكونون غير راضين عن أنفسهم نتيجة العمليات التجميلية التي يقومون بها، فيخضعون لغيرها على الفور". 

هناك من لم يعد يتقبل وجهه الحقيقي أبداً، بل يريد تبديله بالكامل ليصنع آخر جديداً، للتشبه ببعض الشخصيات أو لإتباع موضة جمالية معينة، وهذا يدل على أن الشخص غير متصالح مع ذاته، وغير راضٍ عن نفسه.