د. جواد الأسدي
منذ مرحلة دراستي للمسرح على يد الفنانين الكبار ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد وجعفر السعدي وجعفر علي وجاسم العبودي صار المسرح بالنسبة لي هو المقدس الشخصي ومنبع الشغف.
إذ إنَّ أساتذتي الكبار قد علّموني درسا بليغا في موضوع الاختلاف في الرؤية، وفي خصوصيات التلقي المسرحي، وأن المسرح الحقيقي هو الذي يقوم على الالتباسات الجماليَّة النصيَّة والبصريَّة مثل بونتيلا وتابعه ماتي التي قام بإخراجها آنذاك ابراهيم جلال الذي تمتاز عروضه المسرحية بطغيان الالتحام بين النص السردي والتمثيل في مرجعياته الشرسة الذي يقوم على العنف الداخلي الجيكوفي والخارجي المايور خلدي معولا على تفاوت مروحة الرؤية عند المتلقي الحر الذي يغرف من ينابيع معرفيَّة وفلسفيَّة وأن الجريمة كما كان يصرّح ابراهيم جلال هو تفسير العرض المسرحي بناءً على أجندة شخصانية بجهل، إذ إن ابراهيم جلال الذي كان يكرّس في بروفاته وعروضه التباسات وطرازاً حراً من البوح كان يعوّل على متلقي من طينة جماليَّة معرفيَّة مختلفة الجذور والمرجعيات بعيدا عن كليشيها التلقي الأعمى من ناحية رصد عمل المخرج في تمرّده على اللغة وعلى موت الحياة في المجتمعات المظلمة وعلى السياسيين الذين يكرّسون عتمة الجوع الى الرغيف والحرية.
وأشار جلال إلى أن فضح المستور والمسكوت عنه في أعماله أثارت غرائز الأميين والجهلة من العامة ومن بعض الفنانين الشخصانيين الذين لم يطيقوا ذرعا بوجود ابراهيم جلال الذي أزاح الستار عن أعمال مسرحية لبعض الجهلة والمدرسيين كان الجدل حاراً في السبعينات بين تمرّد المخرجين وعدم القدرة على قراءة أعمالهم واستخراج جماليّات الما بعد.
ومع أنَّ كتابات بعض النقاد الخلاقين من طراز حسب الله يحيى وصادق الصائغ وياسين النصير كانت تعطي مثالا مبتكراً لقراءة العروض آنذاك لكن أصواتا نشازاً هنا وهناك كانت تقدم قراءات متدنية لعلاقة ابراهيم جلال بجهوده البصريَّة وتأويله السردي. إنَّ انهيار المعايير النقدية في كتابات بعض الانطباعات لهذه المسرحية أو تلك وضع الحركة المسرحية في انسداد كبير حيث طغت الشخصانيَّة والتمترسات الحزبيَّة وظهرت عدوانيَّة شرسة في سجال فناني الداخل والخارج والتخوين للمخرجين القادمين من المنافي لذلك بدت الكثير من الكتابات كما لو أنّها قد أتت من المصح وليس من عقول موزونة بعقلانيَّة خلاقة حتى أن بعض فنانين من سكان الدنمارك صاروا يدلون بدلوهم الشخصاني من غرفهم الصقيعيَّة لعرض يقدم في بغداد أي خزي على ذلك الموسيقي أو المسرحي أن يكتب عن أو أن يشتم عملا فنيَّا لم يشاهده هذه هي الفرجة الملوَّثة.. ياللعيب.