الموسيقى في زمن الحروب والأزمات

منصة 2023/02/04
...

 يقظان التقي


اطلق مهرجان البستان الدولي للموسيقى الكلاسيكية فعاليات دورة العام 2023، في تظاهرة موسيقية محلية ودولية، واحداً من كبار المهرجانات الدولية، ومنخرطاً بعمق والتزام في تقديم موسيقى الأزمنة المتعددة، في استيهامات السلام في زمن الحرب والازمات  .

انطلق المهرجان الشتوي منذ منتصف التسعينات بجهود كبيرة وارادة تحدٍ وتصميم من رئيسة المهرجان، ميرنا البستاني وبمبادرة فردية عظيمة، لا بل مستحيلة، وما زالت منخرطة في التحدي بإكمال رسالة المهرجان بمتابعة ابنتها لورا لحود . لطالما عانى المهرجان من ظروف صعبة جداً، من اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية، وأوضاع حولت لبنان إلى بلد مؤجل. هذا لم يوقف فعالياته بمقاربة الإبداع والموسيقي العالمية، وبحيوات الإصغاء لروح العالم الانساني، الموسيقى العالمية الكلاسيكية، واتجاهاتها في الأداءات الشبابية الجديدة . 

المهرجان منذ تأسيسه، كأنما أريد له أن يرد الحياة إلى لبنان المعطّل في صحته، وشغفه الأولي بالفنون والحياة. أراد لغة أخرى تنبثق من الموسيقى والغناء والرقص، في مدينة مفتوحة على التاريخ العالمي الحيوي والخصب .

مطر لبنان في شباط، يصير موسيقيا، تأتي سنوياً إلى المهرجان من كبرى الصالونات العالمية وبايقاع من التبادلية الخصبة وبروتوكولات التعاون، مهرجاناً استثنائياً، خاصا بالموسيقى الكلاسيكية، يكسر ركود الحياة اللبنانية القاسية في الخارج، وجمود المستويات السياسية والاجتماعية. فيجترح حضورا مميزا في «فندق البستان»، بيت مري، وفي أماكن اخرى في العاصمة بيروت . 

المهرجان صار نسيجاً في الحياة الاجتماعية والثقافية اللبنانية، يجمع موسيقيين كبار من العالم، يعكسون صور مدنهم، وتواريخهم، وإبداعاتهم، في حدثٍ سنوي غير عادي . صورة أخرى عن لبنان الزمن الجميل والتعددية والتنوع، و ليس لبنان العزلات والانغلاق والركود العام .

ربع قرن وأكثر من الفعاليات الموسيقية، حفرت عميقاً بمجازاتها الموحية، من ذلك المطل الجبلي العالي الجميل والرائع في «بيت مري»، وفي كاتدرائيات وجامعات بيروت، وباسترهافات فنية عالية كرست شهرة نجوم عالميين. في وظيفة تواصلية مع التيارات الشبابية، يحتفي بها على المسرح، وينهض بها شموليا . 

موسيقي ايجابية في ى فصل شتوي، يؤسس لربيع دائم متجدد، بالوقت القديم القديم/ الجديد، وبأصوات كبرى، تعزز الانتماء إلى جماليات الفنون، وايحاءاتها الإنسانية العميقة جداً.

ويتضمن المهرجان، الذي يفتتح في 23 شباط/ فبراير ويختتم في 19 آذار/ مارس 19، حفلة متنوعة لموسيقيين عالميين ومحليين. وتحضر مقطوعات المؤلف الموسيقي الروسي رخمانينوف في معظم حفلات المهرجان إحياءً لذكرى 150 عاماً على ولادته. وتتخلل البرنامج الكلاسيكي المطعّم بالجاز حفلة غنائية لبنانية للفنان الكوميدي جورج خباز.

واختارت لجنة المهرجان عنوان «ايقاعات السلام» كردّ بـ»الموسيقى على ايقاعات الحروب، التي أدت إلى الانهيارفي الاقتصاديات العالمية، والإحباط، واليأس، والقهرن والجوع، وهذه النسخة، تلقي الضوء على موسيقيين من أوكرانيا وفلسطين وروسيا ولبنان، أي من دول تعاني جراء الحروب والاحتلالات.

المهرجان يتضمن 19 حفلة تتنوع بين الموسيقى الكلاسيكية والجاز والجاز الشرقي، والموسيقى اللبنانية. وستقام أكثرية الحفلات في فندق البستان، وحفلتان في كنيسة مار يوسف ببيروت، وحفلة في كنيسة مار الياس، القنطاري.

ويفتتح المهرجان بعزف منفرد لعازفة الكمان الاميركية من اصل صيني، ايللي سو، وترافقها اوركسترا من ايطاليا بقيادة قائدة الاوركسترا الايطالية جيانا فراتا. ويختتم المهرجان بحفلة عنوانها «موسيقى من أجل السلام» تعزفها اوركسترا موسيقيي أوروبا الشباب.

ومن ابرز محطات المهرجان، حفلة في 24 شباط، تحييها عازفة البيانو الاوكرانية فالنتينا ليزيتزا، في الذكرى السنوية الأولى للاجتياح الروسي لأوكرانيا. كما أن المهرجان يتّجه هذه السنة جنوباً، ففي صيدا، في خان صاصي، تقام أمسية جاز شرقي مع الفنّان فارس اسحق والرباعي خام. وفي صور، تحيي للأوركسترا الموسيقية الأوروبية YMEO بالتعاون مع بلدية صور ومنظّمة Forlibano، حفلة خاصة لقوات اليونيفيل عنوانها «باسم حفظة السلام».

ومن أبرز محطات البرنامج حفلة غنائية شرقية تُقدّم على مدى ليلتين عنوانها «جايي الإيام» من إعداد الفنان جورج خباز، الذي ألّف كلمات الأغنيات ولحّن معظمها، «وهي مزيج من الغناء والمسرح والشعر والحنين للوطن، وفيها شريط سينمائي موسيقي، وتحية الى موسيقيين لبنانيين كبار. ويتضمن البرنامج أيضاً حفلة عنوانها «ايقاعات من الشرق والغرب» لعازف البيانو اللبناني الفرنسي عبد الرحمن الباشا، ترافقه عازفة التشيللو الفرنسية الأرمنية أستريغ سيرانوسيان..

تحضر موسيقى الجاز في حفلتين: الأولى كلاسيكية، والثانية تخيم عليها اجواء الجاز الشرقي، ويبرز في البرنامج قداس هايدن العاشر «المناهض للحرب» بحسب مارتشانو، والذي ألفه هايدن في العام 1796، بينما كانت النمسا في خضمّ الحرب وكانت تخشى الاجتياح، تعزفه الاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية ويحييها كورس جامعة سيدة اللويزة بقيادة الأب خليل رحمه.

ويخصص المهرجان سنوياً مساحة للأوبرا، ويستضيف في هذه الدورة السوبرانو الروسية المعروفة ايلينا ستيكينا. ويبرز من روسيا عازف البيانو الشاب ألكسندر مالوفوفيف.