الديوانيَّة.. عنبر وحنطة وتمور

ريبورتاج 2023/02/11
...

   الديوانية : عباس رضا الموسوي 

وأنت تسير بين الحقول الخضراء الممتدة مع الأفق الأزرق، يفتنك الجمال الخلاب للطبيعة في تخوم الأرياف النضرة، حيث خارطة السواقي المتعرجة وأسراب الطيور المغردة ونسمات الهواء الشاردة وسحب الغيوم المتقطعة، وحياء فتاة ريفية توقفت عن قطف الثمار وأدارت وجهها لحين مرور هذا الصحفي الغريب، حينها تخيم عليك الذكريات لماضٍ أكل أحداثه بأتراحها وأفراحها تعاقب الأعوام، لتشعر بالأسف الشديد وأنت في عالم الصمت والسكينة على عمر جرى مهرولا كجريان الساقية التي تقف عليها الآن.
  حاضنة زراعيَّة 

إن الديوانية لمن لم يعرف تاريخها، هي مدينة فراتية ذات طابع زراعي وإن نحو 65 بالمئة من سكانها يعملون في قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني منذ قرون بعيدة. 

ويقول المزارع مهدي صالح :"إن الديوانية عرفت منذ سنوات طويلة بأنها واحدة من المدن العراقية المعروفة بغزارة محاصيلها وجودة إنتاجها، خصوصاً أنها حاضنة للعنبر والحنطة والتمور بشكل ملحوظ، فضلاً عن تحقيقها نسباً عالية في زراعة المحاصيل الأخرى، مضيفاً أن أهم الأسباب التي جعلت الديوانية مدينة مميزة زراعيًا تكمن في خصوبة أرضها، وتولع سكانها في الزراعة لذلك تجدهم يزرعون رغم التحديات الكبيرة، ومنها شح المياه في فصل الصيف وارتفاع أسعار البذور والمبيدات في الأسواق المحلية وغيرها من مشكلات تعترض عمل الفلاحين والمزارعين بين الحين والآخر"، وتحدث هذا الفلاح الذي يرى العلاقة بينه وبين الأرض قديمة تتجدد مع بزوغ شمس كل صباح، عن هذه العلاقة قائلاً : إن الفارق بين مهنة الفلاحة وأي مهنة أخرى أن الفلاحين يعشقون أرضهم وزرعهم ويتعاملون مع الغرس بمودة كبيرة.


تاريخ طويل 

وعن تاريخ الزراعة في محافظة الديوانية ومكانتها الزراعية، خصوصاً أن هناك محاولات جرت لجعلها عاصمة العراق الزراعية، يقول الإعلامي عاصم الدليمي : "لم تأتِ محاولات تسمية الديوانية بعاصمة العراق الزراعية من فراغ، إذ تعد هذه المدينة من أهم المدن الزراعية في العراق، لما تشتهر به من تنوع محاصيلها وغزارة إنتاجها وعلى رأسها المحصول الوطني ألا وهو الرز بأجود أنواعه"، مضيفاً أنه تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للإنتاج الزراعي ما يقرب من (1,800,000) دونم بينما الأراضي المزروعة فعلاً تقرب من (900,000) دونم قبل أن تنخفض هذه المساحات بشكل مخيف، بسبب موجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مشيراً إلى أنها كانت في الأعوام القليلة الماضية تصدر الرز العنبر إلى دول الجوار ويعطى كهدايا، لأنه يعتبر من أجود وأرقى أنواع الرز، لما يحتويه من مذاق راقٍ وطعم لذيذ وبلغ الإنتاج أرقاماً قياسية تفوقت على جميع المحافظات المنتجة للرز، إضافة إلى محاصيل الحنطة والشعير والذرة والخضراوات بأنواعها، وخصوصًا في الأقضية والنواحي مثل غماس والمهناوية والصلاحية والشامية  التي تشتهر بهذه المحاصيل، مضيفاً : أن الديوانية تنفرد بزراعة الكجرات الأحمر الذي له فوائد صحية عديدة، فضلاً عن اشتهارها بزراعة مختلف المحاصيل الزراعية الأخرى.


حاجات مهمة 

إن لتربية الحيوانات مثل الأغنام والماعز والأبقار والجاموس في أرياف وبوادي محافظة الديوانية أهميتها الكبيرة في معيشة الناس وسد حاجاتهم الغذائية، لذلك تجد هذه الظاهرة منتشرة في مختلف القرى والأرياف، ويقول مربي الأبقار والجاموس علي البديري : "إن حرفة تربية الأبقار والجاموس ورثتها عن أبي، إذ أهداني بقرة وجاموسة ودونماً من الأرض مجاوراً لشط السدير بعد الزواج مباشرة وطلب مني أن أبدأ حياتي من دون أن أتكل عليه"، مضيفاً: أن مثل هذه الخطوة غالباً ما يتخذها الآباء مع أبنائهم في الأرياف، ولكن ميسوري الحال يكثرون من عدد الحيوانات التي يهدونها لأبنائهم، ويتابع البديري:

"رغم قلة ما أهدانياه والدي آنذاك، إلا إني تمكنت من الاهتمام بها، إذ أصبحت اليوم لدي حظيرة من الأبقار وأخرى من الجاموس، وقضيت كل هذه السنوات في رعايتها، والاعتماد على بيع ما تنتجه من قيمر وحليب وجبن ولبن في السوق لأشتري ما تحتاجه أسرتي من غذاء". 

وعلى ما يبدو سيسير البديري على خطى والده، إذ سيفعل مع ابنه عندما يكبر ما فعله معه والده لتستمر هذه الحياة الأسرية الفلاحية، بعيداً عن ضجيج المدينة ومشكلات العيش فيها.


 توسعة الخطة 

من المعروف أن زيادة الإنتاج تكمن بزيادة الأرض المزروعة، وتحسين جودة الزرع فيها لذلك تمكنت مديرية الزراعة في محافظة الديوانية، من إحداث توسعة في خطتها الزراعية للموسم الشتوي الحالي بهدف سد حاجة السوق المحلية، ويقول مدير الزراعة في محافظة الديوانية المهندس حسن الكرعاوي: "إن الإضافة التي جرت على الخطة الزراعية، والمتعلقة بمحصول الحنطة شملت جميع الأقضية والنواحي بواقع 128000 دونم إضافي، تضاف إلى الخطة الشتوية المقرة ليكون المجموع الكلي323000 دونم، مشيراً إلى أن الخطة المقرة قبل الإضافة بلغت 195000دونم موزعة بين 16 قضاء وناحية منها الشامية والصلاحية، والمهناوية وغماس والحمزة والدغارة والسدير وعفك ونفر، وغيرها من أرياف الديوانية المعروفة بطابعها الزراعي، مؤكداً استمرار ملاكاتهم بمتابعة الحقول وتقديم الإرشادات الضرورية للفلاحين لضمان الحصول على غزارة في الإنتاج، مصحوبة بجودة عالية.


ثروة حيوانيَّة 

وبشأن أهمية الثروة الحيوانية من الجانب الاقتصادي، والمعيشي ومدى الاهتمام بها يقول مدير الزراعة في محافظة الديوانية حسن الكرعاوي: "إن الاهتمام بالثروة الحيوانية يعد أولوية لأهميتها، خصوصاً أنها مصدر معيشة للعديد من المربين وأسرهم، موضحاً أن الديوانية حققت نسباً جيدة، بسد حاجة السوق المحلية من اللحوم، منها 153 ألف طن من لحوم الأغنام، وأكثر من 23 طناً من لحوم الماعز و716 ألف طن من لحوم الأبقار وأكثر من 18 ألف طن من لحوم الجاموس، و148 ألف طن من لحوم الإبل، ولفت مدير الزراعة إلى تسجيل أكثر من 20 طناً من لحوم فروج الدجاج وإنتاج أكثر من 276 مليون بيضة، وغير ذلك من الإحصائيات، كاشفاً عن وجود 326 حقلاً لتربية فروج اللحم و9 حقول لإنتاج بيض المائدة، و11 مفقساً و6 معامل للعلف ومشاريع أخرى تتعلق بالثروة الحيوانية التي تعد محافظة الديوانية حاضنة ملائمة لها لوجود مساحات واسعة من الأرض وتوفر الرغبة لدى المربين بتربيتها.


مكافحة وإرشاد 

وبشأن الإجراءات المتخذة لمكافحة الآفات الزراعية التي تؤثر سلباً في جودة المنتوج وكميته ودور الإرشاد الزراعي في إعطاء التوجيهات الحديثة للفلاحين، يقول مدير زراعة محافظة الديوانية حسن الكرعاوي : "لقد تمت مكافحة مساحة تزيد على 93 ألف دونم من حقول الحنطة، ذات الأوراق العريضة والرفيعة"، مشيراً إلى تمكن ملاكات الإرشاد الزراعي من إقامة 62 نشاطاً، خلال شباط الجاري عبر الشعب الزراعية في الأقضية والنواحي، ومنها ما يتعلق بالإدارة المتكاملة لمكافحة آفات المحاصيل الحقلية وميزات إضافة أوراق المورنجا، في دعم أعلاف الدواجن والطرق العلمية للوقاية من أدغال الحنطة في حقول إكثار البذور، وغيرها من أنشطة توعوية يحتاج إليها الفلاحون وتحقق نسبة عالية في الجودة والكمية.