مهرجان ربيع الشهادة.. هويَّةٌ ثقافيَّةٌ وتعايشٌ سلمي

ريبورتاج 2023/02/26
...

 كربلاء: سعاد البياتي


انطلق في كربلاء المقدسة مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي، تحت شعار (الإمام الحسين عليه السلام في ضمير الشعوب) للمدة من (24 - 28 شباط 2023 بنسخته السادسة عشرة، والذي تقيمه العتبة الحسينية المقدسة كل عام.

"الصباح" التقت بنائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الدكتور علاء الدين ضياء الدين الذي تحدث عن المهرجان قائلا: يعد من أهم المشاريع الدولية في المجال البحثي، فضلاً عن فعالياته الأخرى، إذ يمثل هوية ثقافية وصورة مشرقة للتعايش السلمي، المتمثل بضيوفه من مختلف أنحاء العالم من أديان وطوائف وجنسيات ومعتقدات متعددة، فالإمام الحسين (ع) يمثل للإنسانية جمعاء رمزًا للإلهام ونموذجا للقائد وصورة للعدالة والأهم أنه يمثل وجها للخلود، ومن هذا المفهوم فإن هذا المهرجان تخطى الحدود الإقليمية وتوسع جغرافيا، ليستقطب الباحثين والشعراء والكتاب ليجمعهم في حرم المولى (ع) لاختزال الضباب عن الحقيقة الناصعة، وقطع الطريق على أعداء الدين الذين يحاولون تشويه صورة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) واتهامهم بالتعصب والانغلاق، فهذا المشهد الثقافي العالمي كفيل بتسليط الضوء على نهج رسول الله وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين).

ومن العلامات المؤكدة على نجاح المهرجان على مستوى العالم، وصوله إلى النسخة السادسة عشرة مع تزايد رغبة الضيوف من الشخصيات المهمة، والمعروفة على مستوى دولي بالمشاركة مرة أخرى أو للمرة الأولى بعد الأصداء الإيجابية، والنتائج التي حققها المهرجان خصوصاً في الجانب البحثي، بوصفه يمثل الهوية الثقافية للعتبتين المقدستين لما يوليه من اهتمام خاص بأهم فقرات المهرجان ألا وهي البحوث العلمية الخاضعة للجان تقييم تحت إشراف نخبة من ذوي الاختصاص في المجال البحثي.


ثقافة المسرح

وأكد ضياء الدين أنه في كل عام تتنوع فعاليات المهرجان، وللفن دوره المتميز، المتمثل بالمسرح، إذ يتم تقديم المهارات المسرحية وبمشاركة دولية، ووفقاً لمجموعة من المحاور التي يحددها المهرجان، وأسهمت هذه الخطوة بنهضة المسرح في كربلاء بصورة خاصة وفي العراق بصورة عامة، كما أعادت للمسرح نشاطه، فأقيمت بعده العديد من العروض المسرحية، وبدأ الشارع الكربلائي بالتفاعل مع ثقافة المسرح أكثر، كما أن للرسم دوره وبشتى أنواعه وبمشاركات واسعة وكانتْ النتائج أقل ما يُعبر عنها بأنها مبهرة، ولم يقتصر المهرجان على إحياء بعض الفنون وإنما عاصر الحداثة فقد رفعتْ راية الحسين (ع) في السماء بواسطة مجموعة من المظليين، ومعها راية شعار المهرجان وأحدثتْ هذه الخطوة ضجة جمالية استمتع بها كل من رآها واقعاً أو شاهدها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الفعاليات التي تحمل طابعًا فنيًا أو جماليًا وتسهم في التعريف أكثر بالتراث الديني، فضلاً عن الجولات الخاصة، بمدينة كربلاء، لا سيما زيارة المشاريع الإنسانية.

حدث كبير

وتحدث مسؤول إعلام العتبة الحسينية الشريفة عباس الخفاجي قائلاً : من أهم الركائز لهذا المهرجان  معرض الكتاب الذي يستمر طيلة فترة انعقاد المهرجان، إذ تولي اللجنةُ التحضيرية للمهرجان اهتماماً كبيراً له، وتسخر جميع الإمكانيات من أجل إظهاره بأجمل صورة وبما يتلاءم مع هذا الحدث الكبير ومكانة العتبات المقدسة في كربلاء.

ويستمر هذا المعرض لعشرة أيام ونرى دوره البارز في إثراء الحركة الفكرية والثقافيّة في محافظة كربلاء المقدّسة خصوصاً، وفي العراق على وجه العموم.

وتشارك فيه عدة دور نشر ومن مختلف الدول وقد شاركت في النسخة الأخيرة منه أكثر من (13) دولة وهي (لبنان، مصر، الأردن، الإمارات، سوريا، المغرب، الكويت، السعودية، إيران، بريطانيا، إسبانيا، كندا، إيطاليا) وكانت المشاركات بعنوانات مختلفة الاختصاصات والتوجهات، ولم تقتصر على الكتاب الدينيّ فقط، بل شملت مجالاتٍ أُخرى، منها الأكاديمية والثقافية والأدبية والعلمية وثقافة الطفل والمرأة وغيرها، ليكون معرضاً شاملاً متكاملاً من حيث العنوان والتخصّصات (الأكاديمية، الجامعات، مراكز بحثية و دراسات، دور نشر الطفولة، فضلاً عن دور طباعة ونشر وتوزيع)، وكذلك تشارك في هذا المعرض العتبات المقدّسة كافة من داخل العراق وخارجه، فضلاً عن المزارات الشيعيّة وديواني الوقف الشيعيّ والسني، ولهذه المشاركات شروطها، فيمنع المهرجان بعض العنوانات التي تشوبها أفكار تهدم بنيان الفرد، ويعد أهم تظاهرة للكتاب في عموم العراق، إذ إنه قد جمع أكثر من (180) دار نشر ومن (13) دولة.


دور المرأة

وبين الخفاجي أن المهرجان اهتم بحضور المرأة ومشاركتها سواء في البحوث العلمية أو المشاركات الشعرية، وفي نسخته لهذا العام (النسخة السادسة عشرة) أولى اهتماماً أكبر بمشاركة المرأة فأفرد لنشاطاتها برنامجاً خاصاً، تعرض فيه دورها التربوي والعلمي والثقافي وبعض مهاراتها، فالعتبة الحسينية المقدسة، غالباً ما توجه الدعم للمرأة وتسعى إلى تطويرها دينياً وثقافياً، لأنها النواة الأساسية التي يبنى عليها المجتمع.

كما أن هذا النوع من المهرجانات، كسر حاجز خوف العديد من الشخصيات التي كانت تنظر إلى العراق كدولة غير آمنة، ولكنها بعد أن حضرتْ بدأتْ تشجع الآخرين لزيارة البلاد، مع مشاركة الضيوف وتعرفهم على  جميع الأديان والمذاهب، والتعامل مهم بصورة تتلاءم والحس الإنساني الذي أقره آل بيت النبوة، وللجانب المادي دوره في طباعة البحوث المشاركة  على نفقة العتبة الحسينية لتحقيق استفادة الباحثين منها ولحفظ هذه الجهود وتوثيقها واعتمادها كمصادر لطلاب العلم.


معانٍ سامية

وعبرت الوفود المشاركة في مهرجان ربيع الشهادة عن سرورها، بالحضور والمشاركة لأول مرة في هذا المهرجان الجليل الرائع بكل تفاصيله وفقراته الدينية والثقافية، فمن خلاله تعرفت على المعاني السامية والنبيلة للشهادة التي جسدها سبط الرسول الإمام الحسين (ع)، واستشعرت ملامح النور والهداية تشرق من وجه كربلاء هذه المدينة الزاهرة، والتطور العمراني الذي قامت به الأمانتان العامتان الحسينية والعباسية والذي شمل المراقد المقدسة والبنى التحتية في كربلاء.

ومن ضمن الكلمات ألقى الدكتور مصطفى راشد مفتي أستراليا ونيوزلندا، ورئيس منظمة (الضمير العالي لحقوق الإنسان) التابعة للأمم المتحدة، كلمته التي بيّن فيها أن العراق بشعبه المحبّ، بلد عظيم له كلّ الفضل على الأمّة الإسلاميّة، وهذه حقائق تاريخيّة، ونحن تعلّمنا من إسلامنا أنه يجب أن نُعطي الفضل لأصحابه.

وقدم المفتي الدكتور مصطفى راشد شكره لمن كان سبباً في وجوده وزيارته للبلاد، ومن بينهم الوفد المرافق من القائمين على العتبتين الحسينيّة والعباسية المقدستين، لمنحه الفرصة ولزملائه بالتواجد بين هذا الجمع الرحب العظيم.