مرقد نبيّ الله {ذو الكفل} ومسجد النخيلة التاريخي
عامر جليل إبراهيم
تعد ناحية الكفل واحدة من أكثر الأماكن التي مرّ بها من اصطفاه الله، ليكون نبياً أو رسولا ومنذ انبثاق الديانات الإبراهيمية، كانت مكاناً خاصاً بالأنبياء والرسل وصولا إلى خاتم النبيين محمد (ص) ومن جاء بعده من آل بيته. فالبلدة التي تتبع محافظة بابل إدارياً، وتغفو على الضفة اليسرى لنهر الفرات تضم قرابة 38 موقعاً أثرياً منها 16 موقعاً مثبتاً بصورة رسمية، ومن بين كل هذه المواقع يبرز مرقد اشتق من اسمه اسم البلدة التي يتواجد فيها، وهو مرقد النبي الذي تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل، إنه نبي الله حزقيال المعروف بـ (ذي الكفل).
تصوير: إعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية
توالت على تلك الناحية التاريخية والدينية، حقب مختلفة وأخذت نصيبها من التطور والبناء، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأهم بقعة في هذه المدينة العريقة، ألا وهي مرقد نبي الله ذي الكفل ومسجد النخيلة التاريخي.
"الصباح" زارت هذه المدينة التاريخية والمرقد الشريف وأجرت عدة لقاءات
تلاقي الأديان
يقول الأمين الخاص لمزار النبي ذي الكفل ومسجد النخيلة التاريخي السيد وسام الصافي: "تعد ناحية الكفل أو "الجفل" كما يلفظها العراقيون مركزاً لتلاقي الأديان، فهي تضم معالم ومزارات عدة أهمها مرقد النبي ذي الكفل (ع) وهو (حزقيال) من أنبياء بني اسرائيل، ومقام الإمام علي بن أبي طالب (ع) ومقام العبد الصالح الخضر (ع)، وقبور أصحاب نبي الله ذي الكفل (باروخ، يوشع، يوحنا الديملجي، يوسف الربان، خون) رضوان الله عليهم، بالإضافة إلى مسجد النخيلة التاريخي ومنارته المميزة".
ويضيف السيد الصافي: أن ذا الكفل من الأنبياء الذين ذكروا في القرآن، مرتين الأولى في سورة (ص) والثانية في سورة (الأنبياء)، وهذا لقبه واسمه حسبما جاء في الروايات والتحقيق والتدقيق (حزقيال بن بوزة) الكاهن وجده لأبيه نبي الله أيوب، هذا النبي المبارك جاء من فلسطين في السبي البابلي إلى هذا المكان.
كان ذو الكفل يدافع كثيراً عن اليهود ويتكفل بالكثير من الشخصيات والأنبياء، وحسب الروايات لم ينجُ حتى بنفسه، و قتل ودفن في هذا المكان المبارك في مدينة الكفل.
يعتبرهذا المكان من الأماكن المهمة، كما يبين السيد الصافي، فهو مزار ومعلم ديني وحضاري وتاريخي بناه السلطان الإيلخاني (محمد خدابنداه أولجياتو) وهو محمد بن جنكيز خان الذي بنى هذا المكان بكل ملحقاته، ومن ضمنها هذه المنارة التي بنيت في زمن السلاجقة قبل 750 عاماً التي تعد من المعالم المهمة في العراق. والمزار يضم فضلاً عن مرقد ذي الكفل، مراقد خمسة من أصحابه وحواريه، وأسماؤهم معلمة ومثبتة على القبور.
ويضيف الأمين الخاص للمزار: يوجد في هذا المكان مقام أمير المؤمنين علي بن بي طالب (ع)، إذ أقام فيه أمير المؤمنين عدة مرات، منها عندما خرج إلى حرب الخوارج و الأخرى عند خروجه لحرب صفين، كما يضم المعلم مقام الخضر(ع). واستناداً إلى الصافي، فإن المساحة الكلية للمرقد هي 7700متر مربع و ارتفاع المنارة 25م.
وللمرقد باحة واسعة هي ساحة المرقد الرئيسة (الصحن)، التي أحيطت بأواوين ذات أقواس رائعة التصميم ويمكن القول إن هذه الأواوين الجميلة، عبارة عن غرف مفتوحة متداخلة متعددة الأغراض ومنها امتصاص درجات الحرارة العالية، التي يتصف بها مناخ العراق صيفاً.
الضريح
ويلفت الصافي إلى أن ضريح نبي الله ذي الكفل عليه السلام، يختلف عن الأضرحة التي تحفل بها المراقد الدينية الأخرى المنتشرة في أرجاء المعمورة، بعدما كان يغطي القبر الشريف صندوق خشبي من الصاج الخالص الجميل، أصبح الآن شباكاً كباقي الأضرحة مصنوعاً من أجود أنواع خشب الصاج البورمي، وكان للأمانة العامة للمزارات الشيعية دور كبير في صناعة الشباك، إذ وضع في قاعة ترتفع إلى الأعلى على شكل قبة مخروطية مبنية على الطراز السلجوقي في هندسة معمارية، غاية في الروعة والجمال استخدم فيها نظاما الزخرفة والتزجيج بالألوان القديمة، وللقبة التي تضم الجسد الطاهر بابان خشبيان، منقوشة في أعلى كل منهما عبارات باللغة العبرية، هذه الأبواب تطل من جهة الشمال على بناء متداخل بعضه على بعض وبدعائم ضخمة جداً على شكل أقواس، وفي شرقه توجد غرفة لها باب حديدي ثقيل جداً يقال إنها كانت مكتبة عامرة بالكتب العبرية، متجمعة من وقف أصحابها وقد تم الاحتفاظ بجزء من هذه الكتب في الأرشيف الوطني، في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، والقسم الآخر تبعثر بين أيدي السكان بعد هدم أحد الجدران. ويستدرك الصافي بالحديث أنه توجد العديد من النشاطات الثقافية والقرآنية ومجالس على مدار السنة. مؤكداً أن ولادة النبي ذي الكفل ووفاته غير معروفين، وكل ما تعرفه المصادر أنه شهيد قتله اليهود.
زخارف هندسيَّة
وعن مسجد النخيلة يقول السيد الصافي:"عند الخروج من الباحة الأمامية للمرقد تجد نفسك في صحن كبير آخر، يتصل بمرقد النبي ذي الكفل هو صحن مسجد النخيلة ومنارته المشهورة، وفيه المحراب المعروف وهو الموضع الذي صلى فيه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) عند خروجه إلى صفين، وإلى حرب الخوارج في النهروان ماراً بالحلة".
من جهته الشمالية تشمخ مئذنة عملاقة في علوها، وضخامتها وبنائها الأسطواني الأسطوري، إذ يستوقفك مظهرها الخارجي بزخارفه الهندسية المتقنة الصنع، وما فيها من الكتابات الجميلة التي لا تقل روعة عن المقرنصات التي تزين حوض المئذنة من الخارج، وهي في غاية البداعة والإتقان من الجمال، والسحر المعماري، إذ يعتقد أنها بنيت في زمن البويهيين.
إحياء المناسبات
وعند تجوالنا بالمرقد التقينا المعاون الثقافي السيد مكي عبد الزهرة الجبوري، ليحدثنا عن أبرز النشاطات الثقافية والقرآنية التي تقام في المزار، إذ قال الجبوري: "هناك نشاطات يقوم بها قسم الإعلام باعتباره أحد أقسام الأمانة الخاصة، بمزار نبي الله ذي الكفل (ع) ومسجد النخيلة التاريخي وهي نشاطات ثقافية ودينية، على مدى عام كامل ومن هذه النشاطات إحياء مناسبات ولادات ووفيات أهل البيت عليهم السلام، وإقامة دورات فقهية وثقافية ودينية ودروس في علوم القرآن للرجال والنساء، إضافة إلى إحياء شهر رمضان المبارك وعقد الجلسات القرآنية، وإحياء ليالي القدر بالصلاة والعبادات وبحضور جمع غفير من أهالي المدينة، فضلاً عن استذكار مناسبات شهر محرم الحرام وصفر وتقديم جميع الخدمات للزوار الكرام الوافدين للمزار الشريف، والمتوجهين لزيارة الإمام الحسين (ع) في كربلاء، كون المزار يقع على طريق كربلاء المقدسة".
وعن المشاريع المستقبلية للمزار حدثنا المهندس عصام عزيز الدريعي قائلاً: "تبلغ مساحة المزار الشريف 7700 مترمربع، متكونة من القبر وحرم الصلاة القديم و تجري التوسعة لحرم الصلاة، يذكر أن الإعمار بدأ في المزار الشريف عام2012، إذ شكلت لجنة تضم المدير العام للدائرة الهندسية لديوان الوقف الشيعي، وممثلين عن وزير الثقافة والسياحة والآثار و محافظة بابل و مجلس محافظة بابل والمجلس البلدي في الكفل، وممثلاً عن المزارات الشيعية الشريفة، إذ تم إنشاء مجمع غدير خم الذي تبلغ مساحته 50000 م، ويحتوي على متحف وجامعة ومدرسة دينية ومكتبة وقاعة ومعهد لتعليم القرآن، ومركز رعاية الشباب ومركز تعليم الأيتام ودار الإرشاد الأسري، والذي سوف يتم تنفيذه بعد استكمال عملية استملاك قطع الأراضي التي سيتم تنفيذ المشروع عليها".
ومن المشاريع المهمة أيضاً مشروع صيانة السور الخارجي، لمسجد النخيلة التاريخي من الجهة الشمالية الشرقية للمزار، والذي يعد استكمالاً لسور المسجد الأثري ومشروع صيانة القبة المخروطية للقبر الشريف ومعالجة المياة الجوفية، إذ تم إعداد الكشوفات الخاصة وسيتم التنفيذ بعد تخصيص المبالغ له، وإن هذا المشروع من المشاريع المهمة جداً للحفاظ على القبة المخروطية باعتبارها إرثاً ومعلماً تاريخياً مهماً لمدينة الكفل.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة