الأصول الغامضة للخيول الحاليَّة

بانوراما 2023/02/28
...

 ريبيكا دزومباك

 ترجمة: حميد ونيس 

منذ حوالي 4200 عام، سمح ركوب الخيل للناس بالسفر أبعد وأسرع من أي وقت مضى، مما حفز حركة الهجرة في جميع أنحاء أوروبا وآسيا. وعلى امتداد آلاف السنين، لعبت الخيول أدوارا حاسمة في المجتمعات البشرية على مستوى جميع أنحاء العالم. وساعدت هذه الخيول المزارعين الأوائل على حرث حقولهم، ونقلت الناس إلى أماكن أبعد وبدرجة أسرع، وأعطت المحاربين ميزة تنافسية في المعركة.


لكن الخبراء ظلوا يفكرون منذ فترة طويلة بشأن مصدر الخيول المحلية بالفعل.

استغرق السؤال تعاونا بين باحثين من قارتين لأكثر من مئة عالم للوصول إلى إجابة تتعلق بمنطقة جنوب روسيا. 

يقدم الاكتشاف دليلا قويا على أنه من بين ثلاثة مواقع رئيسية، هي الأناضول وأيبيريا والسهوب الأوراسية الغربية، كان الموقع الأخير هو مسقط رأس الخيول المحلية الحالية.

أعاد الباحث لودوفيك أورلاندو، عالم الآثار من جامعة بول ساباتييه في تولوز الفرنسية، وزملاؤه بناء جينومات (أحد فروع علم الوراثة المتعلق بدراسة الجينات- المترجم) الخيول القديمة من الهياكل العظمية القديمة للخيول الموجودة في مواقع بين البرتغال ومنغوليا، فبرزت منطقة واحدة في جنوب روسيا، بالقرب من تقاطع نهري ألدون وفولكا. وكان لدى منطقة رعي الماشية بالفعل أدلة أثرية غير مباشرة على تدجين الخيول، ولكن أبحاث الحمض النووي الجديدة تظهر الآن أنه يمكن تتبع خط الخيول المحلية الحديثة إلى الخيول التي عاشت هنا منذ ما بين 4700 و4200 سنة.


الهجرة سببٌ أولي

بدأ الناس في هاتين المنطقتين بتدجين الخيول. وسرعان ما بدؤوا بالهجرة إلى أماكن جديدة مع تلك الحيوانات، فانتشر هذا الخط الجديد من الخيول من أوروبا 

الغربية إلى شرق آسيا وخارجها.

يقول أورلاندو، الذي نشرت دراسته مؤخرا في مجلة نيتشر، إن الهجرة "كانت بين عشية وضحاها تقريبا، ولم يكن هذا شيئا قد تراكم على مدى آلاف السنين، فمع توسع الهجرة حل السلالة الجديدة محل جميع الأنساب السابقة التي كانت تتجول في عموم أوراسيا". وهكذا فإن الحصان المحلي الذي نعرفه اليوم هو الفائز الذي نراه في كل مكان، بينما تنازلت السلالات الأخرى من سباق الهيمنة

الجينية.

ما هو أكثر من ذلك، أدى ركوب الخيل وانتاج المركبات الحربية التي تجرها الخيول، والتي كانت شائعة لعدة مئات من السنين، إلى تغيير مكونات القوة بين المجتمعات زادت معها من تحفيز انتشار الحصان الجديد.  بناء حصان أفضل خلال العصر البرونزي في أوروبا وآسيا، قبل نحو خمسة آلاف سنة فما دون كانت تربية الخيول شائعة. 

أما خيول "إيكيوس مالاكاس" فهي حيوانات رعي قصيرة شبيهة بالحصان الحديث جابت أراضي أميركا الشمالية العشبية في وقت مبكر من عصر الإيوسين (الذي بدأ منذ حوالي 56 مليون سنة) وعبر جسر بيرنغ الطبيعي خلال العصر الجليدي الأخير.

تشير السجلات الأثرية والتاريخية إلى أنه فجأة، منذ حوالي 4200 عام، ارتفعت أعداد الخيول في ظروف غامضة عبر أوراسيا. ويبرز التساؤل هل أدى تغير المناخ إلى توسع الأراضي العشبية وتوفر الفرصة للخيول للمزيد من التوطين؟ وهل كان الناس في جميع أنحاء العالم يربون القطعان في الوقت نفسه؟ أم أن هذه الخيول الاليفة تشترك في مصدر مشترك؟

خلال العقد الماضي، أصبحت تقنية اختبار الحمض النووي القديم من المواد المحفوظة مثل العظام والشعر دليلا يكفي للتحقيق في مثل هذه الأسئلة الواسعة.

قام أورلاندو وفريق دولي لجمع آثار العظام بزيارة المتاحف والمواقع الأثرية، وجمعوا مواد لاختبار 273 جينوما فرديا من بقايا عظام الخيول يمتد عمرها لخمسة آلاف سنة في أوروبا وآسيا الوسطى، ومن خلال مقارنة التركيب العام للجينومات عبر الزمان والمكان، تمكنوا من تحديد متى وأين تطورت مجمعات جينات الخيول. وسرعان ما بدأ البشر بتربية الحيوانات بشكل انتقائي لسمات مثل القدرة على تحمل وزن الإنسان  والأحمال الأخرى، مما خلق تعديلات وراثية أدت إلى الحصان الذي نعرفه اليوم.


تجربة بدائيَّة للعولمة

وتذكر كيت كان، عالمة الآثار في جامعة إكستر في المملكة المتحدة التي لم تشارك في الدراسة، إن المجتمعات في جميع أنحاء أوراسيا المطلعة بالفعل على الخيول كان يمكن أن تسرع من توسع انتشار الحصان في منطقة الفولكا والدون.

وتقول كان: "أعتقد أن ذلك حدث بسرعة لأن تلك البنى التحتية كانت موجودة بالفعل، وكان لدى بعض الناس على الأقل معرفة بتربية الخيول" وتضيف أن "تاريخ البشرية مرتبط مع ملفوفات الحمض النووي للخيول، لدرجة مثيرة للاهتمام حقا. إنها تحكي قصة جنسنا البشري في الحمض النووي مع هذا 

الحيوان.

ويشير اورلاندو إلى انتشار الخيول الأليفة بعد العصر البرونزي، حيث عرفت البشرية السفر لمسافات أطول من أي وقت مضى، ما أدى إلى زيادة التجارة ونقل المعرفة بين المجتمعات، فضلا عن التنقل. وعندما سافر الناس أحضروا خيولهم معهم، وتبادلوا المعرفة بها. 

وكانت هذه بداية لما يمكن تسميته "أول تجربة للعولمة، حيث أصبح العالم أصغر نسبيا، ببساطة لأنه كان لدينا ذلك الحصان" بحسب اورلاندوا. فهناك بعض أقدم الأدلة على تدجين الخيول خلال العصر البرونزي في جنوب روسيا، حيث يشير اكتشاف بقايا الخيول، مع العجلات القديمة، إلى أهمية الخيول للنقل. ليس ذلك فحسب، بل يعكس توقيت التطور الجيني البشري في أجزاء من أوراسيا عن كثب مع انتشار 

الخيول.


عن موقع  ناشينال جيوغرافيك