جمعة الحلفي يوثق عذابات العراقيين

ثقافة شعبية 2023/03/02
...

 سعد صاحب 


يتحدث الشاعر عن واقع مهمل، من جميع السلطات الحالية والسابقة معا، واقع تكثر فيه السلبيّة والإحباط واللامبالاة والانعزال، وندرة الفرصة للإصلاح والعيش الكريم، يرافق ذلك العديد من الأغلال القاهرة، وأكثرها قساوة سوء الوضع الاقتصادي، والاحساس بالدونيَّة وضعف القيمة الذاتية للأفراد،.

وغياب اللا معنى لوجودهم، في زمن يضج بالقمع والخوف والترهيب واسكات الرأي المخالف . (جنه زغار يا عبود/ جنه زغار حفاي بدرابين الصرايف دايرين/ حفاي بدرابين الزمن/ حفاي منسيين).


ضعف الانتماء 

العراقي كائنٌ متمرّدٌ على كل من يعيق تطوره، أو يقف حجر عثرة في طريق حريته الدامية، فهو الخارج على المعايير بنظرة الجلّاد، وهو الساعي الى الانقلاب على الحاكم، بأسلوب فوضوي مذموم، او يرفع رايات السلميّة رفضا للظلم والجور والباطل، او يهرب في زورق مثقوب، او يثور بطريقة خاصة، فيسفك دمه الطاهر القاني، في الساحات والشوارع والأزقة والمنافي والحدود. (هذا البحر مو بحر/ هذا البحر جذاب/ هذي السفينه جذب/ وهذي المراكب جذب/ هذا البحر تابوت/ دم اهلي هذا البحر/ دم اهلي ياقوت). وهكذا تترى الخسارات والفواجع، فيولد جيلا مغتربا، يضرم النيران في البنايات والمدارس والمنازل، جيل يكره الآباء القدامى والوصايا والشعارات والتعاليم، جيل يعاني من ضعف الانتماء للوطن، وناقم على العقائد السياسية الفاشلة. (من اور من اشور/ من نينوى ومن اكد/ من اول التاريخ لليوم/ بس العراقي يموت).


تناغم 

لغة الشاعر مزيج متناغم من الشعبي والفصيح، من الرؤى والاكتشاف، من المتخيل والمحسوس، من العادي والعميق، ورغم المرارة والمناحات والفجائع، نرى فيها الاناقة والعمق والرقة والشاعرية، والصمت والعذوبة والتأملات الجديدة، والتعلق بالافكار المنادية بالمساواة بين الناس، لغة لها إطلالة على أكثر من نافذة، مفتوحة للشمس والهواء والرذاذ والاريج، وحتى في سلميتها المراوغة، كانت توقد في قلوبنا شرارة الخطر. (انته عفت الناس كلها وتلوهتني/ منين اجيب اسنين لشواكك/ وانه عمري تعداها وجزاها/ انته جمرة شوك بيدي/ مدري اذبها مدري اجوي اسنيني بيها/ مدري اخلي العمر يتباهى 

بضواها). 


تجاور 

 أبطال القصائد أبناء حياة صاخبة، يتجاور في ارضها الوديعة، اليومي بالخرافي، والروحي بالغريزي، والواقعي بالاستعاري، والحقيقي بالفنتازي، وهذه المتناقضات حينما تدخل الى اجواء القصيدة المكتظة، بالحب والوجع والحيف والندم والانتهاك، تعطيها دفقة كبيرة من التوهج والاشتعال والحرارة والتواصل. (تبعد وانته ذاك انته/ حزين ومنزوي ومحتام/ وحدك تحسب الايام وحدك ترسم سنينك على الريح/ ويذريها الغبار اوهام 

باوهام). 


تناقض 

الانسان المقصود في هذه الاشعار، انسان ضائع مضطرب الهوية والولاء، فهو ريفي ومديني، صادق ومخادع، ثوري وخائن، ديني وملحد، محدود ومطلق، مغترب ومتزن الشخصية والذات، حنون وسادي، يميني ويساري، تراه يخاف من الدم في موقف ما، وتراه يؤمن بالانحراف والجريمة والعنف، واستفحال المظاهر المسلحة، يحب الاخرين ويمقتهم، يتشاجر على أتفه الاسباب، يهدي الورد الى الحبيبة في عيد ميلادها، ويتراشق بالرصاص ويكتب العبارات النابية فوق الجدران. 

(انه شبيدي على الباعو شعبهم بالمزادات/ وك عليناه وعليناه وصعدناه على اخر سماوات/ على جتوف البشر ع النجم ع الهامات/ جان يغافل التاريخ ينزل ع الكراسي والوزارات/ انه شبيدي على ثوار يتسمون/ لجنهم خدم عد الحكومات).