الزلازل تباغت وتضرب دولاً متعددة

ريبورتاج 2023/03/06
...

   فجرمحمد


لم تكن اللحظة التي اهتزت فيها الأرض وضربت مدناً مختلفة، بالمتوقعة أو المنتظرة، إذ كانت لحظة الزلزال مباغتة ومفاجئة، منعت الأغلبية من التصرف السريع فظل الآلاف منهم تحت الأنقاض في حين تمكن آخرون من النجاة، إذ وصلت إليهم فرق إنقاذ الدفاع المدني، وقد خرجت نظريات ودراسات تحاول أن تفسر هذا الحدث تحسباً لتكراره مستقبلا.

العالم العراقي والأكاديمي الدكتور صالح محمد عوض خرج بتفسير جديد قد يختلف مع نظرائه من الباحثين، فهو لا يفسر أساس حدوث الزلازل وفقاً لنظرية تكتونية الصفيح، التي تعزو أساساً أسباب الزلازل إلى قوى داخلية من الأرض، بل يعتقد أن هذه النظرية، قد عجزت ومنذ أكثر من قرن من الزمن أن تعطي احتمالية لحدوث الزلازل.

قام عوض بتقديم بحث علمي رصين نشر عام 2021، وقد حمل في طياته نظرية جديدة، تعزو سبب الزلازل إلى قوى خارجية، تتعلق بمواقع الكواكب التي تدور حول الشمس التي تغير انتظامها باستمرار. 

تلك الكواكب تسلط جهداً على الأرض مختلفاً في كل انتظام معين من خلال حسابات مقدار الجهد المسلط على الأرض، إذ يمكن وضع احتمالية توقع لحدوث الزلازل.


أنشطة براكين

في حين يرى الخبير بالشؤون البيئية والجيولوجية الدكتور قيس جاسم أن الزلزال أو الهَزَّة ظاهرة طبيعية في الكرة الأرضية منذ نشوئها، وهو عبارة عن اهتزاز أو سلسلة من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية تنتج عن الحركة المستمرة للصفائح التكتونية المتكونة منها الأرض، وهذه الحركة نتيجة لتيارات الحمل التي تسببها الصخور السائلة في لب الأرض نتيجة دورانها.

ويوضح جاسم أن الزلازل من الممكن أن تحدث في وقت لا يتعدى ثواني معدودة، ويسمى مركز الزلزال بالبؤرة وتختلف في أعماقها. و يتبع الزلزال بارتدادات تدعى أمواجاً زلزالية، وهذا يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم الاجهادات الداخلية للأرض. وتوجد هذه الأنشطة على مستوى حدود الصفائح الصخرية. و كذلك قد تنشأ كنتيجة لأنشطة البراكين.

ويتابع جاسم قوله:"إن الحدود بين الصفائح التكتونية للكرة الأرضية معروفة، وحددها علماء الجيولوجيا بكل دقة. وهذه الصفائح تتحرك باتجاهات معروفة والمسافات التي تتحركها سنوياً محددة، و عبر مئات السنين يصل اجهاد الصفائح المتحركة ذروته و بما لا تتحمله الصفيحة المقابلة فتنهار على هيئة زلزال. و من المفيد أن نعلم أن ليس للإنسان يد في حدوثه، بل هو كما أسلفنا ظاهرة طبيعية و لا تأثير للسدود في حدوثها، لأنها نتيجة حركة الصفائح الأرضية خلال مئات السنين".

ومن وجهة نظر جاسم فإن الحركات النسبية للصفائح التكتونية الرئيسة المسماة (عربية و أوراسية وأفريقية) وكتلة تكتونية صغيرة واحدة (الأناضول)، هي المسؤولة عن الزلازل في تركيا.  إذ تتلاقى الصفائح الأفريقية والعربية مع الصفيحة الأوراسية إلى حركة باتجاه الغرب من كتلة الأناضول.  يتم تناول هذه الحركة بشكل أساسي على طول صدوع شمال وشرق الأناضول. 


موقع القمر

ويتابع العالم العراقي والأكاديمي الدكتور صالح محمد عوض حديثه عن نظريته التي عمل عليها منذ فترة زمنية، قائلا: "ما حصل في شباط المنصرم من هذا العام هو الارتصاف الكوكبي عالي الجهد، فقد كان على أوجه في السادس من الشهر المنصرم، ما حفز الألواح على الحركة وحصل الزلزال المدمر بقوة 7.7. إن تغير وضع الكواكب قليلاً واختلاف موقع القمر أوقع الزلزال الثاني في تركيا يوم 20من  شباط بقوة 6.5. ويوضح عوض أنه ذكر هذا الأمر في لقاءات تلفزيونية مع قنوات عربية قبل هذا الوقت.


نظرية التعاقب

في حين يشرح الاستشاري الجيولوجي سليمان محمد علي ما حدث في تركيا، قائلاً: "تقع هذه الدولة في منطقة جغرافية نشطة زلزالياً، إذ تحيط بها الصفائح التكتونية الرئيسة وهي: العربية والأفريقية و الأوراسية وتنشط داخل حدود تركيا، ثلاثة خطوط زلزالية فاعلة (صدوع) وتقع غرب الأناضول و شمالها و شرقها. ويلفت علي إلى أن الصدع الشرقي شهد انكساراً في العام 1999 و خلف زلزالاً مدمراً، أما الانكسار الثاني فقد ضرب كهرمان مرعش و تحولت بسببه إلى منطقة منكوبة، ويمتد صدع شمال الأناضول عبر تركيا من الشرق إلى الغرب و بطول 1500 كم، وقد كان السبب الرئيس لزلزال 1939 الذي وصلت قوته إلى 7.9 درجة على مقياس ريختر و تتشعب منه شبكة من الفوالق الفرعية.

ويذكر علي أن صدع شمال الأناضول تمزق مثل سقوط صف من الدومينو، في سلسلة من الزلازل بلغت شدتها 7 درجات، والتي انتشرت طوال القرن العشرين و يُخشى أن تكون تركيا على موعد مع عدد كبير من الزلازل خلال السنوات المقبلة، وهذا ما ذهب إليه الخبيران الفرنسيان المتخصصان في الزلازل رومين جولفي و لوران جوليفيت واعتبر العالمان الفرنسيان أن حدوث الزلزال الثاني وسط تركيا بعد 9 ساعات من الأول، تأكيد لنظريتهما حول تعاقب الزلازل، و ليست في هذه الحالة هزة ارتدادية.


تأثر البلاد

إن قرب العراق من تركيا وسوريا أثار قلق ومخاوف العديدين، ومع خروج التصريحات والنظريات التي تؤيد قرب الزلازل في العراق، في حين تفندها أخرى يؤكد الأكاديمي والخبير الجيولوجي الدكتور احمد عسكر أن البلاد بمنأى عن الزلازل المدمرة، وإن تأثرت فستكون ارتدادية تكاد أن تكون محسوسة وتأثيرها ربما في ديالى والعمارة والكوت، لأن البلاد بعيدة تماماً عن خط الزلازل.

ويضيف عسكر: أن العراق بعيد تماماً عن منطقة الزلازل، ولن يتأثر الإقليم سوى بهزات ارتدادية في الموصل ودهوك، ومن المهم معرفة أن الحزام الزلزالي بعيد عن السهل الرسوبي الذي يبلغ عمقه 36كم تقريباً، ولأن  السهل عبارة عن صخور رسوبية حديثة العمر ومحتوى مائي بين النهرين، فهو قادر على امتصاص أي قوة مسلطة عليه، ومما يؤكد أن البلاد بعيدة تماماً عن الزلازل هي الوثائق التي وصلتنا من العصر العباسي وإلى يومنا هذا، التي لم تسجل أي زلزال أو تدمير للبنايات الشاخصة، كما أن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لم تسجل حدوث زلازل في المنطقة الوسطى، ولكنها سجلتها في منطقة حزام طية زاكروس وهذا الموقع هو الذي يشهد تصادم الصفحتين العربية والأوروبية الآسيوية.

وينتقد عسكر أداء هيئة الرصد الزلزالي، التي لم تقم بأي نشاطات أو تصريحات تذكر لبيان الوضع في البلاد وتوضيح الصورة أكثر.


اختلال التوازن

ويرجع الاستشاري الجيولوجي سليمان محمد علي تصاعد المخاوف من انتشار الزلازل لعدد من الأنشطة البشرية، فإذا أخذ بنظر الاعتبار عدد آبار النفط التي تُحفر سنوياً، بما يقارب مئة ألف بئر، و كذلك استغلال الطاقة الحرارية الجوفية واستخراج كميات كبيرة من الوقود الأحفوري وغمر الصخور المتصدعة بالسوائل، إلى الاخلال بالتوازن للقوى الضاغطة على القشرة الأرضية و من ثم زيادة وتيرة الزلازل. 

ويلفت علي إلى أن هناك تقريراً نشره فريق من الخبراء حول أسباب زلزال بوهانغ الذي وقع في 15 تشرين الثاني عام 2017 في كوريا الجنوبية، و بلغت شدته 5.5 درجة على مقياس ريختر، يشير إلى أن هذا الزلزال ناتج عن أنشطة بشرية حول عمليات الحفر، بمشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية. 

و يمكن القول إن هناك أنشطة بشرية أخرى قد تسبب الزلازل مثل التفجيرات النووية و مشاريع المناجم وغيرها من أنشطة الإنسان.