تسليع ملكات الجمال والرسالة الغائبة

ريبورتاج 2023/03/08
...

 بغداد: نوارة محمد 


ثمة متطلبات ومفاهيم خاصة لملكات الجمال لكن هذا الأمر لا يبدو بهذه الصورة حين يتم اختيار ملكة جمال العراق، فالنظرة الشعبيَّة وحتى التحكيميَّة ترى في الجمال صورة ومنحوتة جسديَّة جرى تعديلها جراحيَّاً، بينما هذا الفعل يعد خرقاً بالنسبة لمسابقات ملكات الجمال في العالم ككل.

ثمة اختلاف في معايير الجمال بيننا محليَّاً وبين العالم الخارجي، والتزام العراق بالشروط والقواعد يبدو أمراً شبه مستحيل إذ نشهد اليوم تشويهاً وتحريفاً لمفهوم ملكة الجمال الذي لطالما اعتمدته لجان التحكيم في مبادرات كهذه، ويتساءل كثيرون عن مواجهة هذه التحولات المفصليَّة التي ابتدعتها ثقافة الحضارة السائدة وصدرتها إلى بقية العالم. هل طمست المفاهيم القيميَّة التي بُنيت على أساسها هذه المسابقات؟ وتسرّبت المبادئ الأساسيَّة؟ هل أصبحنا نتعامل مع الوجوه المصُنعة كما لو أنَّها واجهة المجتمع بغض النظر عن الوعي والاجتهاد الشخصي؟. 

تتحدث عن هذا نرمين المفتي قائلة: "أعتقد أن منافسات ملكات الجمال عبارة عن تسليع المرأة وتحجيم لها، لكن اختيارها كواجهة مجتمع للمهام الإنسانية والمبادرات الثقافيَّة غالباً ما قد يقلل من هذا الاعتقاد السائد، لكننا نواجه اليوم غيابا واضحا لهذه الأنشطة، إذ بدا استغلال ملكات الجمال تجاريَّاً كواجهة إعلام أو ماركات وأزياء والمجوهرات أمراً يدعو الى الوقوف عنده". 


وعي شخصي

وتتابع المفتي حديثها وتقول: "هناك بعض الأنشطة التي تُفرض على ملكات الجمال وأخرى تعتمد عليها شخصيَّاً، وليست سوى انعكاس يعبر عن مدى الوعي الشخصي والفكري والثقافي، يبدو هذا واضحا وسرعان ما تنتهي هذه الحقبة الزمنيَّة فتقرّر ملكة الجمال استكمال فصول حكايتها، كأن تكون  ناشطةً لحقوق الإنسان، المرأة والطفل خاصة، او ممثلةً، وربما فاشنيستا كما تُحب أن يُطلق عليها."

وتُبيّن المفتي: "ان تحول ملكة الجمال الى واجهة لهذا الأمر لا أكثر، ربما لأنّنا نواجه حالة غير مسبوقة من تصدير الجمال المُصنّع، الذي يعدّ صعباً على الفتيات لا سيما بعد أن وافقت لجان التحكيم على مشاركة صاحبات هذه الوجوه ممن اخترنَ تغيير أشكالهن جراحيَّاً، وأظن أننا لسنا بحاجة الى وجوه مُكررة بقدر حاجتنا لشخصيات تستحق أن تتوّج بهذا اللقب. شخصيَّاً أظن أن الخضوع لعملية تجميل يدل على قلة الثقة بالنفس وضعف الشخصية نوعاً ما، بينما تتطلب مهام ملكة الجمال الثقافيَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة على العكس من ذلك".


عالم الكتروني

ويرى آخرون أن الخلل الرئيس يُكمن في اختيار الأشخاص الخاطئين، ولأن المؤثرين وصُناع المشهد من الفاشنيستات اللواتي اخترن العالم الالكتروني منصة لطرح افكارهن، وبثها بسهولة بين الجمهور بعيدا عن فلسفة الفكر والوعي الثقافي، إذ لم تعد الثوابت كما كانت عليه، وعن هذا تبين الإعلامية والناشطة غادة العاملي أن "صناع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي من البارزين بالصدفة "كالفاشينيستات" وملكات الجمال وغيرهم هم من يملكون أدوات التأثير لتواصلهم المباشر مع الجمهور، إذ أسهمت هذه الشبكات في سرعة انتشار وإبراز المؤثرين، إذ مكّنتهم من المشاركة المتواصلة والسريعة مع الجمهور وتفاعله مع ما ينشرونه ويعرضونه من صور أو معلومات أو فيديوهات، من خلال حساباتهم على هذه المنصات، فمكنت المؤثرين من طرح الأحداث التي تهم المجتمع مجاناً ولكن من وجهة نظرهم البسيطة، وقد يكون هذا التأثير ذا بعد سلبي لسطحية بعض القائمين بالاتصال".

ويبقى السؤال الصعب هل الجمال المغذي الاساس وأيّ مجتمع ساذج هذا الذي يصنف الفتيات بحسب وجوههن؟، الجمال يقُرر نسبة حظوظهن والمرأة الجميلة تحصد أعلى نسبة الفرص، في العمل والزواج وفي مسابقات ملكات الجمال.